للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ شَهِدَا أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ تَدَّعِي، أَوْ تُنْكِرُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِخُلُوِّهَا عَنْ التُّهْمَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَمَّيْنِ فَزَوَّجَا ابْنَتَ أَخٍ لَهُمَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ، ثُمَّ شَهِدَا عَلَى الطَّلَاقِ، أَوْ كَانَا أَخَوَيْنِ لَهَا زَوَّجَاهَا، ثُمَّ شَهِدَا بِالطَّلَاقِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحُرْمَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا شَيْئًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] أُمِرُوا بِهِ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالنَّهْيُ عَنْ الْإِبَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ أَمْرٌ بِالْحُضُورِ لِلْأَدَاءِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَاسْتِحْقَاقُ الْوَعِيدِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ «. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِمُ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ كَشَاهِدِ الزُّورِ» وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْأَشْرَاكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠]»، وَفِي هَذَا بَيَانُ كَرَامَةِ الْمُؤْمِنِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى ذَاتِهِ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ، أَوْ صَاحِبٍ، أَوْ وَلَدٍ «. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَجَعَلَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ يَسْكُتُ»، وَفِي رِوَايَةٍ «سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُ الزُّورِ»، وَفِي حَدِيث سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّاهِدُ بِالزُّورِ لَا يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى تَلْعَنَهُ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» فَيَحِقُّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الِاجْتِنَابُ عَنْهَا بِجُهْدِهِ وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا مَتَى وَقَعَ فِيهَا خَطَأً، أَوْ عَمْدًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْجِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلْيَكُنْ رُجُوعُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ الَّتِي أَدَّاهَا.

وَقَدْ اخْتَصَّتْ الشَّهَادَةُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَالرُّجُوعُ عَنْهَا كَذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسْبِ الْجَرِيمَةِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ». فَإِذَا كَانَتْ جَرِيمَتُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ جَهْرًا فَلْتَكُنْ تَوْبَتُهُ بِالرُّجُوعِ كَذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ النَّاسِ وَخَوْفُ اللَّائِمَةِ مِنْ إظْهَارِ الرُّجُوعِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَأَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>