للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَتَقَايَلَا السَّلَمَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّ الْإِقَالَةَ تَجُوزُ فِي ثُلُثِ الْكُرِّ وَيَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ ثُلُثَيْ رَأْسِ الْمَالِ وَثُلُثَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ بِالْإِقَالَةِ حَابَى بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْمُحَابَاةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا وَجْهَ لِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ فِي الزِّيَادَةِ بِأَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَوْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَا وَجْهَ إلَى إبْطَالِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ إقَالَةَ السَّلَمِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ فَيَتَعَيَّنُ الْإِطْلَاقُ الَّذِي قُلْنَا، وَهُوَ تَصْحِيحُ الْإِقَالَةِ فِي ثُلُثَيْ الْكُرِّ وَإِبْطَالُهَا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَرِيضِ سِوَى هَذَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَكَانَتْ الْإِقَالَةُ تَصِحُّ فِي الْكُلِّ، فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ لِلْوَرَثَةِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَالْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ عَشَرَةٍ فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ نَضُمَّ مَا عَدِمْنَا إلَى الْمَوْجُودِ، ثُمَّ نَنْظُرَ إلَى مَا عَدِمْنَا أَنَّهُ كَمْ هُوَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ بِقَدْرِهِ وَالْعَشَرَةُ الَّتِي عَدِمْنَا مِنْ الْجُمْلَةِ الثُّلُثُ، فَنُبْطِلُ الْإِقَالَةَ فِي ثُلُثِ الْكُرِّ وَنُجَوِّزُهَا فِي ثُلُثَيْ الْكُرِّ بِثُلُثَيْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثُ كُرٍّ قِيمَتُهُ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ، وَثُلُثَا رَأْسِ الْمَالِ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ فَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ وَيُجْعَلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُلُثَا كُرٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنَّمَا نَفَذَ بِالْمُحَابَاةِ لَهُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَقَدْ سَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ ضَعْفَ ذَلِكَ فَيَنْقَسِمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فِي الثُّلُثِ وَالْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ لَا نَاقَضَ لَهَا؟ قُلْنَا: إنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَالْحُكْمُ فِيهِ يَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ كَمَا قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْعِتْقِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الصُّلْحِ فِي الْغَصْبِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ صَاحِبُهُ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ حَالَّةٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ جَازَ سَوَاءٌ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا فَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَهُ عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَرُدُّ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا وَقْتَ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالصُّلْحُ مَاضٍ.

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ آبِقًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>