وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فَوَكَّلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَوَكَّلَ مُسْتَأْمَنًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ الْوَكِيلُ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ وَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ لِأَنَّ لَحَاقَ الْوَكِيلِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَلَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْمُوَكِّلِ فَكَذَلِكَ لَحَاقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الشُّفْعَةُ فِي الصُّلْحِ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ فِي دَارِ دَعْوَى مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَالَحَهُ بَعْضُ أَهْلِ الدَّارِ عَلَى صُلْحٍ عَلَى إنْ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً فَطَلَبَ بَقِيَّةُ أَهْلِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ فِي الْمَالِ مُتَمَلِّكٌ فِي نَصِيبِ الْمُدَّعِي بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعِوَضَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَمَلَّكَهُ بِالشِّرَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُعْطِي لِلْمَالِ أَنَّهُ رَشَاهُ؛ لِيَدْفَعَ عَنْهُ أَذَاهُ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَفِيمَا فِي يَدِهِ يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَى زَعْمِهِ وَهُوَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصُّلْحِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى وَلَوْ صَالَحَهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ سُئِلَ الْمُصَالِحُ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَى الَّذِي صَالَحَهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا، فَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ، كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَيَأْخُذُ الْمُعْطِي لِلْمَالِ نَصِيبَ الْمُدَّعِي وَيَكُونُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَطْلُبُوا بِحِصَّتِهِمْ مِنْ الشُّفْعَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْطِي لِلْمَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي وَقَدْ كَانَ الْمُدَّعِي مُتَمَكِّنًا مِنْ إثْبَاتِ نَصِيبِهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَالْمُعْطِي لِلْمَالِ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ لَهُ أُخْرَى سِنِينَ مُسَمَّاةً لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَالدَّارُ الْمَمْلُوكَةُ عِوَضًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فَبِلَفْظِ الصُّلْحِ أَوْلَى، وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُعَارَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا.
وَإِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى دَارِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الدَّارَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى بِالصُّلْحِ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي فِي حَقِّهِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ حَقِّهِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَالِحِ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ ادَّعَى دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ جِرَاحَةً خَطَأً فَصَالَحَهُ عَلَى دَارٍ أَوْ حَائِطٍ مِنْ دَارِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَإِذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا أَوْ مِنْ خِدْمَةِ عَبْدٍ عَلَى بَيْتٍ فَلَا شُفْعَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute