للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَرَرٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْوِلَايَةِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يَعُولُهُ يَحْفَظُهُ، وَيَحْفَظُ مَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ يَحْفَظُ مَا يُوهَبُ لَهُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ أَجَّرَ عَبْدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ نَوْعُ بَيْعٍ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ، وَلَا مَقْصُودَ فِيهِ سِوَى أَسْبَابِ الْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الرَّقَبَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَكِيلًا فِي خُصُومَةِ الْيَتِيمِ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، ثُمَّ مَاتَ الْوَصِيُّ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِاعْتِبَارِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ وَرَأْيِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْقِيَامِ عَلَى الدَّارِ وَقَبْضِ الْغَلَّةِ وَالْبَيْعِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْقِيَامِ عَلَى دَارِهِ وَإِجَارَتِهَا وَقَبْضِ غَلَّتِهَا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَلَا يَرُمَّ شَيْئًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ وَرَاءَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِحِفْظِ عَيْنِهَا، وَالِاعْتِيَاضِ عَنْ مَنَافِعِهَا، وَالْبِنَاءُ وَالتَّرْمِيمُ لَيْسَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ إحْدَاثُ شَيْءٍ آخَرَ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُهُ بِدُونِ أَمْرِ صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا كَالْمُودَعِ؛ وَلَا يَكُونُ الْمُودَعُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْوَدِيعَةِ حَقًّا، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَوْ هَدَمَ رَجُلٌ مِنْهَا بَيْتًا كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْهَادِمَ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ، وَقَدْ أُمِرَ بِحِفْظِهِ، وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِإِمْسَاكِ عَيْنِهِ حَالَ بَقَائِهِ، وَلَا بَدَلَ لَهُ عِنْدَ اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يُخَاصِمَ الْمُسْتَهْلِكَ؛ لِيَسْتَرِدَّ فَكَانَ خَصْمًا فِي ذَلِكَ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْغَاصِبِ فِي اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا مِنْ رَجُلٍ، فَجَحَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْإِجَارَةَ كَانَ خَصْمًا لَهُ حَتَّى يُثْبِتَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْعَقْدَ، وَالْإِجَارَةُ أَحَدُ الْبَيْعَيْنِ، وَالْمُبَاشِرُ لِلْبَيْعِ هُوَ الْخَصْمُ فِي إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُبَاشِرُ لِلْإِجَارَةِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَيْهِ كَانَ الْخَصْمُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ سَكَنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَجَحَدَ الْأَجْرَ فَإِنَّمَا كَانَ وُجُوبُ الْأَجْرِ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ وَقَبْضِ الْحَقِّ إلَيْهِ فَكَانَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ فِيهَا بِالْعَاقِدِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَدَّعِي شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهَا، وَذَلِكَ يَهْدِمُ دَعْوَاهُ، فَإِنَّ بَيْنَ كَوْنِهِ مَالِكًا لِلْعَيْنِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ وَكِيلًا فِيهَا مُنَافَاةً، فَإِقْرَارُهُ بِالْوَكَالَةِ يَجْعَلُهُ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِهَا غَيْرَهُ،

وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا مَلَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>