للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَأَقَلُّ مَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ وَسَيْرِ الْإِبِلِ فَهُوَ الْوَسَطُ؛ لِأَنَّ أَعْجَلَ السَّيْرِ سَيْرُ الْبَرِيدِ، وَأَبْطَأُ السَّيْرِ سَيْرُ الْعَجَلَةِ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى التَّقْدِيرُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كُلُّ بَرِيدٍ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِيمَا دُونَ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي قَوْلٍ: التَّقْدِيرُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: التَّقْدِيرُ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا لِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ السُّوَيْدَاءَ فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهَا، فَقَالَ: كُنَّا إذَا خَرَجْنَا إلَيْهَا قَصَرْنَا، وَمِنْ السُّوَيْدَاءِ إلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَقَالَ: نَفَاهُ الْقِيَاسُ لَا تَقْدِيرَ لِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء: ١٠١] الْآيَةَ، فَإِثْبَاتُ التَّقْدِيرِ يَكُونُ زِيَادَةً وَلَكِنَّا نَقُولُ: ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْمُرَادَ السَّفَرُ، وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: ١٨٤] وَالْخَارِجُ إلَى حَانُوتٍ أَوْ إلَى ضَيْعَةٍ لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ التَّقْدِيرِ لِتَحْقِيقِ اسْمِ السَّفَرِ.

وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا» مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَكَلِمَةُ فَوْقَ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢] وَهِيَ لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ الْمَحْرَمِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ السَّفَرِ لَا تَنْقُصُ عَمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ هَذِهِ الرُّخْصَةِ فِيهَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّخْفِيفَ بِسَبَبِ الرُّخْصَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَمَعْنَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَحْمِلَ رَحْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَيَحُطُّهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَحْمِلُ رَحْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي إذَا كَانَ مَقْصِدُهُ يَحُطُّهُ فِي أَهْلِهِ، وَإِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي يَحْمِلُ رَحْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَيَحُطُّهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ، فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْحَرَجِ، فَلِهَذَا قَدَّرْنَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَلِهَذَا قَدَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>