لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ تَرَكَ الْبَيْتُوتَةَ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ فَعَلَيْهِ مُدَّانِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَاسَ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِهِ بِتَرْكِ الرَّمْيِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ فِي لَيَالِي الرَّمْيِ لِأَجْلِ السِّقَايَةِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا مَا رَخَّصَ لَهُ فِي تَرْكِهِ لِأَجْلِ السِّقَايَةِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْبَيْتُوتَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ إلَّا الْإِسَاءَةَ كَالْبَيْتُوتَةِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْقِرَانِ]
(بَابُ الْقِرَانِ) (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ أَرَادَ الْقِرَانَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ (وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فُصُولٍ) أَحَدُهَا فِي تَفْسِيرِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ: فَالْقِرَانُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَوْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ مِنْ قَوْلِهِمْ قَرَنَ الشَّيْءَ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَالتَّمَتُّعُ هُوَ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَالْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ أَنْ يَحُجَّ أَوَّلًا، ثُمَّ يَعْتَمِرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ يُؤَدِّي كُلَّ نُسُكٍ فِي السَّفَرِ عَلَى حِدَةٍ أَوْ يَكُونُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ
[فَصَلِّ الْأَفْضَل مِنْ أَنْوَاع الْحَجّ]
(وَالْفَصْلُ الثَّانِي) فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ فَعِنْدَنَا الْأَفْضَلُ هُوَ الْقِرَانُ، ثُمَّ بَعْدَهُ التَّمَتُّعُ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ، وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَالشَّافِعِيُّ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ، وَأَنَا مِمَّنْ كُنْت أُفْرِدُ»، وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ، وَإِنَّمَا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ مَرَّةً فَمَا كَانَ يَتْرُكُ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيمَا يُؤَدِّيه مَرَّةً وَاحِدَةً»، وَلِأَنَّ الْقِرَانَ رُخْصَةٌ كَمَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ تَعَبِكِ وَنَصَبِكِ»، وَإِنَّمَا الْقِرَانُ رُخْصَةٌ، وَالْإِفْرَادُ عَزِيمَةٌ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْعَزِيمَةِ خَيْرٌ مِنْ التَّمَسُّكِ بِالرُّخْصَةِ، وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ الْإِحْرَامِ، وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ فَإِنَّ الْقَارِنَ يُؤَدِّي النُّسُكَيْنِ بِسَفَرٍ وَاحِدٍ، وَيُلَبِّي لَهُمَا تَلْبِيَةً وَاحِدَةً، وَيَحْلِقُ لَهُمَا حَلْقًا وَاحِدًا، وَلِأَجْلِ هَذَا النُّقْصَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute