للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] أَيْ الْفَضْلَ فَصَارَ السَّبَبُ النِّصَابَ النَّامِيَ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَى النِّصَابِ وَإِلَى السَّائِمَةِ يُقَالُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاجِبَ يَتَضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ النِّصَابِ فَإِنْ قِيلَ الزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِي النِّصَابِ الْوَاحِدِ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ ثُمَّ الْحَوْلُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ قُلْنَا التَّكَرُّرُ بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ النُّمُوِّ، فَإِنَّ النَّمَاءَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْمُدَّةِ فَقَدَّرَ ذَلِكَ الشَّرْعُ بِالْحَوْلِ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ فَيَتَكَرَّرُ الْحَوْلُ بِتَجَدُّدِ مَعْنَى النُّمُوِّ وَيَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ السَّبَبِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ بَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكِتَابَ بِزَكَاةِ الْمَوَاشِي، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً كُلُّهَا بِزَكَاةِ الْمَوَاشِي، وَقِيلَ: لِأَنَّ قَاعِدَةَ هَذَا الْأَمْرِ كَانَ فِي حَقِّ الْعَرَبِ وَهُمْ كَانُوا أَرْبَابَ الْمَوَاشِي وَكَانُوا يَعُدُّونَهَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَبَدَأَ بِمَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ.

[زَكَاة الْإِبِل]

(قَالَ) وَلَيْسَ فِي أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ» عَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعِبْرَةُ لِلْقِيمَةِ فِي الْمَقَادِيرِ، فَإِنَّ الشَّاةَ تُقَوَّمُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَبِنْتَ الْمَخَاضِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَإِنَّ أَدْنَى الْأَسْبَابِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَةَ عَشْرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلَّا مَا رُوِيَ شَاذًّا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ رِجَالِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا مُوَالَاةً بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ بِلَا وَقْصٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ أُصُولِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ يَتْلُو الْوَاجِبَ وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ يَتْلُو الْوَقْصَ وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَهِيَ أَعْلَى الْأَسْنَانِ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا ثَنِيٌّ وَسَدِيسٌ وَبَازِلٌ وَبَازِلُ عَامٍ وَبَازِلُ عَامَيْنِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّعَاةَ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ».

وَبِنْتُ الْمَخَاضِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَعْنًى فِي أُمِّهَا، فَإِنَّهَا صَارَتْ مَخَاضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>