للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ فَيَثْبُتُ مَا كَانَ إقْرَارُهُ فِيهِ حُجَّةً؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؟ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ، كَمَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّا لَا نَقْبَلُ إقْرَارَهُ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْمَالِ فَيَبْقَى الْمَسْرُوقُ مُسْتَهْلَكًا وَيَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي تَعْيِينِ الْمَالِ كَالْحُرِّ إذَا قَالَ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَا سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو فَقَالَ زَيْدٌ هُوَ ثَوْبِي، فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْعَيْنِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ هُوَ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْقَطْعِ إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ؟

ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمَالِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ مَوْلَاهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقْطَعَ الْعَبْدُ فِي مَالٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ وَبِثُبُوتِ الشَّيْءِ يَثْبُتُ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ وَلَدَيْ التَّوْأَمِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الَّذِي عِنْدَهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرِ مِنْهُ وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِلضَّرُورَةِ، فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْمَالَ هُنَاكَ لِغَيْرِ السَّارِقِ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقْطَعَ فِي مَالِ الْغَيْرِ، فَأَمَّا هَاهُنَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقْطَعَ الْعَبْدُ فِي مَالٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ، فَوِزَانُ هَذَا مِنْ ذَاكَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مِنْ إنْسَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هُوَ مَالُكَ لَا حَقَّ لِي فِيهِ أَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هَذَا الْمَالُ لِمَوْلَاك لَا حَقَّ لِي فِيهِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لِمَا قُلْنَا فَيُقْضَى بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ

[إقْرَارُ الصَّبِيِّ بِالسَّرِقَةِ]

(قَالَ) وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ بِالسَّرِقَةِ بَاطِلٌ ثُمَّ بُلُوغُهُ قَدْ يَكُونُ بِالْعَلَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالسِّنِّ، فَأَمَّا الْبُلُوغُ بِالْعَلَامَةِ فَالْغُلَامُ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْإِحْبَالِ وَأَقَلُّ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْحَبَلِ أَوْ الِاحْتِلَامِ وَأَدْنَى الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ تِسْعُ سِنِينَ، وَعِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِمَا إذَا بَلَغَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّقْدِيرُ فِي الْجَارِيَةِ بِسَبْعِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي الْغُلَامِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِتِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ زَادَ عَلَى أَدْنَى الْمُدَّةِ سَبْعَ سِنِينَ وَأَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا»، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْوَكَالَةِ

(قَالَ) وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ عِنْدَ الْعَذَابِ أَوْ عِنْدَ الضَّرْبِ أَوْ عِنْدَ التَّهْدِيدِ بِالْحَبْسِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>