[كِتَابُ الصَّرْفِ]
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ إمْلَاءً: الصَّرْفُ اسْمٌ لِنَوْعِ بَيْعٍ؛ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَالْأَمْوَالُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ مِنْهَا فِي الْعَقْدِ ثَمَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَمْ يَصْحَبْهَا سَوَاءٌ كَانَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَنَوْعٌ مِنْهَا مَا هُوَ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ الْعُرُوضِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ، وَالْمَمَالِيكِ، وَنَوْعٌ هُوَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ؛ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي الْعَقْدِ تَكُونُ مَبِيعَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهُوَ ثَمَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ، وَقَابَلَهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: ٢٠] قَالَ الْفَرَّاءُ فِي مَعْنَاهُ: الثَّمَنُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ، وَكَانَ ثَمَنُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْعُرُوضُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً، وَالسَّلَمُ فِي بَعْضِهَا رُخْصَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَبِيعَةً، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَسْتَحِقُّ عَيْنًا بِالْعَقْدِ تَارَةً، وَدَيْنًا أُخْرَى فَيَكُونُ ثَمَنًا فِي حَالٍ مَبِيعًا فِي حَالٍ، وَالثَّمَنُ فِي الْعُرْفِ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ بِهِ، وَهُوَ مَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ فَإِذَا صَحِبَهُ حَرْفُ الْبَاءِ، وَكَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَقَابَلَهُ مَبِيعٌ عَرَفْنَا أَنَّهُ ثَمَنٌ، وَإِذَا كَانَ عَيْنًا قَابَلَهُ ثَمَنٌ كَانَ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا يُحَالُ بِخِلَافِ مَا هُوَ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ.
وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ أَنَّ وُجُودَهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ فَوَاتُ التَّسْلِيمِ فِيمَا هُوَ ثَمَنٌ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ «حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَرُبَّمَا أَبِيعُهُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute