نَقَدَهَا إيَّاهُ جَازَتْ حِصَّةُ الْعَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَبَطَلَتْ حِصَّةُ الدَّيْنِ) وَعَنْ زُفَرَ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ بَاطِلٌ أَمَّا فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَلِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» يَعْنِي الدَّيْنَ بِالدِّينِ وَهَذَا فَسَادٌ قَوِيٌّ يُمْكِنُ فِي الْبَعْضِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْكُلُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ شَرْطًا لِلْقَبُولِ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ يُعْتَبَرُ الْبَعْضُ بِالْكُلِّ فِي الدَّيْنِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا وَحَقِيقَةً الْمَعْنَى أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ صَحِيحًا فِي الْكُلِّ حَتَّى لَوْ نُقِدَ جَمِيعُ الْأَلْفِ فِي الْمَجْلِسِ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالدِّينِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِهِ وَمِثْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِالدِّينِ شَيْئًا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا وَإِنَّمَا فَسَدَ الْعَقْدُ هُنَا بِمِقْدَارِ الْخَمْسِمِائَةِ بِتَرْكِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا فَسَادٌ طَارِئٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا وُجِدَتْ فِيهِ عِلَّتُهُ كَمَا لَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى شَرْطِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَهُنَا الْمِائَةُ الَّتِي تَنْقَسِمُ انْقَسَمَتْ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الْحِرْزُ فَلَا يَكُونُ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومًا وَلَوْ تَتَارَكَا السَّلَمَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينًا مِقْدَارُ مَا يَرُدُّهُ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ وَعِنْدَهُمَا الْإِشَارَةُ إلَى الْعَيْنِ تَكْفِي لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَقَدْ وُجِدَ
[السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ]
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ) لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يُعْدِمُ الْمِلْكَ وَيَجْعَلُ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْعِتْقِ بِشَرْطِ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَكَانَ تَأْثِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَعَدَمُ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ مُبْطِلٌ لِلسَّلَمِ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ لِلْقَبْضِ حُكْمَ الْعَقْدِ وَقَدْ صَارَ الْعَقْدُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتِمُّ وَالِافْتِرَاقُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ إلَّا أَنْ يُبْطِلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي اسْتِقْبَالِهِ فَقَطْ وَعِنْدَنَا الْمُفْسِدُ مَتَى زَالَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَتَقَرَّرَ الْفَسَادُ هُنَا بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ تَمَامِ الْقَبْضِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ مَتَى أَسْقَطَا الْخِيَارَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا جُعِلَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ لُزُومُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ فِي الْمَجْلِسِ يُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ وَهَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute