يُوجَدْ مِنْهُ الْقَبْضُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ، فَلِهَذَا لَا يُثْبِتُ لِلْمُرْتَهِنِ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ رَهْنِ أَهْلِ الْكُفْرِ]
(بَابُ رَهْنِ أَهْلِ الْكُفْرِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ جَائِزٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ فَالرَّهْنُ مِنْهَا، وَهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُسَوَّوْنَ بِنَا، فَإِنْ رَهَنَهُ خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَتِهَا يَوْمَ ارْتَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ، وَمَا لَمْ يُتَقَوَّمْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِتَغَيُّرِ هَذَا الْوَصْفِ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، فَبِتَغَيُّرِ الْوَصْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِقَضَاءِ بَاقِي الْمَالِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصْفَيْنِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ.
وَلَوْ رَهَنَهُ شَاةً فَمَاتَتْ سَقَطَ الدَّيْنُ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَإِنْ دَبَغَ الْمُرْتَهِنُ جِلْدَهَا فَهُوَ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ بِالدَّبْغِ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهُوَ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الرَّهْنُ فَبِقَدْرِ مَا جَنَى مِنْ الْمَالِيَّةِ يَعُودُ مِنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّاةِ الْمُشْتَرَاةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ الْبَائِعُ جِلْدَهَا فَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَعُودُ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ، وَبِهِ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، فَالْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَلَا يَعُودُ الْمِلْكُ فِيهِ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ فَأَمَّا سُقُوطُ الدَّيْنِ هُنَا فَبِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ وَانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَالْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَقَدْ كَانَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ مُتَقَرَّرًا بِالِانْتِهَاءِ، فَلِهَذَا يَعُودُ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ مَا جَنَى مِنْ مَالِيَّةِ الْجِلْدِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَكَانَتْ الشَّاةُ تُسَاوِي عَشَرَةً وَالْجِلْدُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ تُسَاوِي عِشْرِينَ يَوْمَ ارْتَهَنَ، وَالدَّيْنُ عَشَرَةٌ، وَكَانَ الْجِلْدُ يُسَاوِي دِرْهَمًا يَوْمَئِذٍ، فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ انْقِسَامَ الدَّيْنِ عَلَى مَالِيَّةِ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ الرَّهْنِ نِصْفَ دِرْهَمٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّاةِ ضِعْفُ الدَّيْنِ فَتَعُودُ مَالِيَّةُ الْجِلْدِ بِعَوْدِ نِصْفِ مَالِيَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ يَوْمَ اُرْتُهِنَتْ تُسَاوِي خَمْسَةً وَالْجِلْدُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعَةٌ وَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِسِتَّةٍ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ مِنْ الدَّيْنِ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَقَدْ عَادَ مِنْ السَّاقِطِ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ الْجِلْدِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الرَّهْنِ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْجِلْدُ مَرْهُونًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ، وَهُوَ سِتَّةٌ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute