الْحَيْضِ كَانَ حَيْضًا وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِيَاسِهَا أَمَّا إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ زَمَانًا حَتَّى حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، وَكَانَتْ بِنْتَ تِسْعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنْ رَأَتْ دَمًا سَائِلًا كَمَا تَرَاهُ فِي زَمَانِ حَيْضِهَا، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَيْضًا بَلْ ذَلِكَ بَلَلٌ مِنْ فَمِ الرَّحِمِ فَكَانَ فَاسِدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْحَيْضِ فَهَذَا بَيَانُ أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَة.
[فَصْلٌ أَلْوَانُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ]
(فَصْلٌ أَلْوَانُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ) سِتَّةٌ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكَدِرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتَّرْبِيَةُ أَمَّا السَّوَادُ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ أَنَّهُ حَيْضٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ» مُحْتَدِمٌ وَالْحُمْرَةُ كَذَلِكَ، فَهُوَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ لِلدَّمِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَعِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ يَرِقُّ فَيَضْرِبُ إلَى الصُّفْرَةِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِمَنْ افْتَصَدَ وَالصُّفْرَةُ كَذَلِكَ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ إذَا رَقَّ وَقِيلَ هُوَ كَصُفْرَةِ السِّنِّ أَوْ كَصُفْرَةِ التِّبْنِ أَوْ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ، وَأَمَّا الْكَدِرَةُ فَلَوْنٌ كَلَوْنِ الْمَاءِ الْكَدِرِ، وَهُوَ حَيْضٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ رَأَتْ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا أَوْ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ رَأَتْ الْكَدِرَةَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا قَالَ: لِأَنَّ الْكَدِرَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَتْبَعُ صَافِيَهُ فَإِذَا تَقَدَّمَهُ دَمٌ أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَدِرَةِ حَيْضًا تَبَعًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا دَمٌ لَوْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا كَانَ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا، وَهُمَا يَقُولَانِ: مَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فِي حُكْمِ وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا إذَا كَانَ النَّقْبُ مِنْ أَعْلَى الظَّرْفِ فَأَمَّا إذَا كَانَ النَّقْبُ مِنْ أَسْفَلِهِ فَالْكَدِرَةُ يَسْبِقُ خُرُوجَهَا الصَّافِي وَهُنَا النَّقْبُ مِنْ أَسْفَلَ فَجَعَلْنَا الْكَدِرَةَ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُودَهَا حَتَّى قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ سَلَّامٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْخُضْرَةِ كَأَنَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِبْعَادِ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَنَّ الْخُضْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الْكَدِرَةِ وَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَأَمَّا التَّرْبِيَةُ، فَهُوَ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ التُّرَابِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَدِرَةِ؛ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَكَانَتْ غَزَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً قَالَتْ كُنَّا نَعُدُّ التَّرْبِيَةَ حَيْضًا» وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: ٢٢٢] وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْوَانِ فِي حُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute