للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الرُّجُوعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ كَانَ مُعِيدًا لِلْعَيْنِ إلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ لَا إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، وَبِالْهِبَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ مَوْلَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أُعْتِق لَا يَسْتَطِيعُ الرُّجُوعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ قَدْ بَطَلَ - بِتَبَدُّلِ نَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا - وَالسَّاقِطُ مِنْ الْحَقِّ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ.

قَالَ: حَرْبِيٌّ وَهَبَ لِحَرْبِيٍّ هِبَةً، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ، أَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا، وَخَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ: فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ؛ فَإِنَّ بِالْإِسْلَامِ يَتَأَكَّدُ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ وَلَا يَتَبَدَّلُ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ عَلَى حَالِهِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ كَانَ عَوَّضَهُ مِنْ هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا لِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَهُ بِالْهِبَةِ، وَهُوَ وُصُولُ الْعِوَضِ إلَيْهِ. تَمَّ كِتَابُ الْهِبَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: انْتَهَى شَرْحُ الصِّفَارِ مِنْ الْفُرُوعِ مِنْ الِاسْتِحْسَانُ إلَى الْبُيُوعِ، بِالْمُؤْثَرِ مِنْ الْمُعَانِي مَعَ الْخَبَرِ الْمَسْمُوعِ بِإِمْلَاءِ الْمُلْتَمِسِ لِرَفْعِ الْبَاطِلِ الْمَوْضُوعِ، الْمَنْفِيّ لِأَجْلِهِ الْمَحْصُورِ الْمَمْنُوعِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْكِتَاب الْمَجْمُوع الطَّالِب لِلْفَرَجِ بِالدُّعَاءِ وَالْخُشُوعِ فِي ظُلَمِ اللَّيَالِي بِالْبُكَاءِ {وَالدُّمُوعِ}، مَقْرُونًا بِالصَّلَاةِ عَلَى سَيِّدِ أَهْلِ الْجُمُوعِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَهْلِ التُّقَى وَالْخُضُوعِ

[كِتَابُ الْبُيُوعِ]

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْمَالَ سَبَبًا لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الدُّنْيَا وَشَرَعَ طَرِيقَ التِّجَارَةِ لِإِكْسَابِهَا؛ لِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ لَا يُوجَدُ مُبَاحًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَفِي الْأَخْذِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَالُبِ فَسَادٌ، وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ {: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩]. وَالتِّجَارَةُ نَوْعَانِ: حَلَالٌ يُسَمَّى فِي الشَّرْعِ بَيْعًا وَحَرَامٌ يُسَمَّى رِبًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِجَارَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ الْكَفَرَةِ إنْكَارَهُمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا عَقْلًا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]؛ فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِجَارَةٌ وَأَنَّ الْحَلَالَ الْجَائِزَ مِنْهَا بَيْعٌ شَرْعًا. بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهُ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ.

وَانْعِقَادُ هَذَا الْبَيْعِ بِلَفْظَيْنِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَاضِي وَهُوَ بِقَوْلِهِ بِعْت وَاشْتَرَيْت فِي مَحَلَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>