مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ وَيُزَاحِمُ سَائِرَ أَوْلَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ ابْنٌ كَامِلٌ لَهُ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَلِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ، فَأَمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ أَوْ يَتَكَامَلُ وَلَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُهُ هُنَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ تَكَامُلٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ فَلَهُمَا مِنْهُ جَمِيعًا مِيرَاثُ أَبٍ وَاحِدٍ عِنْدَنَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَقَالَ زُفَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثُ أَبٍ كَامِلٍ؛ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ كَالْبُنُوَّةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ ابْنًا كَامِلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبًا كَامِلًا وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١١] وَالْمُرَادُ هَهُنَا الْأَبُ وَالْأُمُّ فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِالْأُبُوَّةِ مَعَ الِابْنِ فَالْقَوْلُ بِاسْتِحْقَاقِ السُّدُسِ بِالْأُبُوَّةِ مَعَ الِابْنِ يَكُونُ بِخِلَافِ هَذَا النَّصِّ، وَلِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْمَخْلُوقُ مِنْ مَائِهِ فَإِنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ جَعَلْنَاهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِمَا، وَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْأَبَ أَحَدُهُمَا قُلْنَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ مَالِهِ بِالْأُبُوَّةِ إلَّا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ فِي جَانِبِهِ لَا تَتَحَقَّقُ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهِمَا حَتَّى إذَا انْعَدَمَتْ الْمُعَارَضَةُ فِي جَانِبِهِمَا بِأَنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ كَامِلٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ الْبَاقِي مِنْهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ لَمْ تَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَرِثُهُ الْآخَرُ مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ.
رَجُلٌ وَعَمٌّ لَهُ ادَّعَيَا ابْنَةَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الْعَمُّ وَتَرَكَ أَبَاهُ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْأَبِ بِالْفَرْضِ وَالْعُصُوبَةِ، وَإِنْ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ هَذِهِ الِابْنَةَ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ مَاتَ الْجَدُّ وَتَرَكَ هَذِهِ الْمُدَّعَاةَ وَعَصَبَتَهُ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهَا ابْنَةُ ابْنِهِ مِنْ وَجْهٍ وَابْنَةُ ابْنِ ابْنِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا كِلَاهُمَا، فَأَمَّا أَنْ نَقُولَ بِنْتُ الْأَقْرَبِ أَوْ نَقُولَ هِيَ لَا تَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ سَوَاءٌ كَانَ الثَّابِتُ أَقْرَبَ الْجِهَتَيْنِ أَوْ أَبْعَدَهُمَا، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِبَيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَاسْتَحَقَّتْ الثُّلُثَيْنِ النِّصْفَ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنٍ وَالسُّدُسَ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنِ ابْنِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ فِي شَخْصٍ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُنَا لَا يَكُونُ لَهَا إلَّا النِّصْفُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ وَأَنَّ الْأَبَ أَحَدُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ]
(قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -): اعْلَمْ بِأَنَّ الْقَاتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَرِثُ مِنْ الْمَقْتُولِ شَيْئًا عِنْدَنَا سَوَاءٌ قَتَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute