فِيهِ النَّاسُ فَرُبَّ رَاكِبٍ يُرَوِّضُ الدَّابَّةَ رُكُوبُهُ وَالْآخَرُ يُتْلِفُ الدَّابَّةَ رُكُوبُهُ فَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيلُ ضَامِنًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ فِي الرُّكُوبِ مَا كَانَ عَامِلًا لَهُ وَلَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَتِهِ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تَنْقَادُ لِلسُّوقِ مِنْ غَيْرِ رُكُوبٍ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَادُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ لَمَّا دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ لِيَأْتِيَ بِهَا الْمُسْتَعِيرَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَنْقَادُ إلَّا بِالرُّكُوبِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِرُكُوبِهِ
قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ رُدَّ الْمُكَاتَبُ فِي الرِّقِّ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَبْدًا تَاجِرًا فَحَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ فِيمَا بَاشَرَ الْإِيدَاعَ بِنَفْسِهِ أَوْ الْمُعَامَلَةَ حَقُّ الْقَبْضِ إلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا مُسَمًّى عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا فَيَأْتِيَهُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ حَمْلُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ وَذَلِكَ عَمَلٌ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ دَيْنًا يَتَقَاضَاهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ لَهُ أَيَّامًا لِأَنَّ عَمَلَ التَّقَاضِي لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْمِقْدَارِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا كَانَ فَاسِدًا إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ أَيَّامًا لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ
وَإِنْ وَكَّلَ الْوَصِيُّ وَكِيلًا بِدَفْعِ وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِمَا كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي التَّوْكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْهِبَةِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ تَجْزِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَإِذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَقُومُ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِيهِ مَقَامَ فِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْقَبْضِ وَالصَّدَقَةُ نَظِيرُ الْهِبَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ يَصِحُّ وَإِذَا وُكِّلَ الْوَاهِبُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمَوْهُوبُ بِالْقَبْضِ وَقَامَا جَمِيعًا فَامْتَنَعَ وَكِيلُ الْوَاهِبِ مِنْ التَّسْلِيمِ فَخَاصَمَهُ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ وَكَّلَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَأُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعَيْنَ لَا أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ فِعْلٍ فَإِنَّ وَكِيلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ يُثْبِتُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute