للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلثَّانِي، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِلثَّانِي، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِيدَاعَ إذَا كَانَ الدَّفْعُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَا ادَّعَى عَلَى الْأَبِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ لِلثَّانِي عَلَى الِابْنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَتَأْوِيلُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الِابْنِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ سِوَى مَا قَضَى بِهِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ اسْتَحْلَفَ لِلثَّانِي، وَإِذَا أَبَى الْيَمِينَ صَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِ لِلثَّانِي فِي الْغَصْبِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَفِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ بِمَوْتِهِ مُجَهِّلًا وَصَارَ مُتَمَلِّكًا غَاصِبًا فَيُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ.

(قَالَ) وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالتَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ كَالْبَالِغِ، وَهَذَا لَا يُسْتَحْلَف لِرَجَاءِ النُّكُولِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ إقْرَارُهُ صَحِيحًا يُسْتَحْلَفُ إذَا جَاءَ نُكُولُهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ وَالْبَذْلُ الْمُقَيَّدُ صَحِيحٌ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنَا أَحْلِفُ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ النُّكُولَ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمَلٌ، فَقَدْ يَكُونُ لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَلَا يُوجَبُ بِهِ مَا لَمْ يَقْضِ شَيْئًا الْقَاضِي وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالشَّهَادَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا قَالَ: أَحْلِفُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِالْإِقْرَارِ فِي نُكُولِهِ بِالْقَضَاءِ فَلَا رُجُوعَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِذَا اسْتَمْهَلَ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْهِلَهُ، وَإِنْ طَلَبَ النَّظْرَةَ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى التَّأَمُّلِ فِي حِسَابِهِ وَمُعَامَلَتِهِ مَعَ الْمُدَّعِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْهِلَهُ، وَإِنْ فَعَلَ وَأَمْضَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ جَازَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ امْتِنَاعُهُ عَنْ الْيَمِينِ قَدْ تَقَرَّرَ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ نَافِذٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْعُرُوضِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ]

(بَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْعُرُوضِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رَجُلَانِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْهَا لِرَجُلٍ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي الْحَالِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ نِصْفُ الْبَيْتِ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدَّارِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَإِقْرَارُهُ فِي نِصْفِ الْبَيْتِ لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَشَرِيكُهُ، وَإِنْ كَانَ يَتَصَوَّرُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بِتَفَرُّقِ مِلْكِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الضَّرَرَ لَا يَلْحَقُهُ بِالْإِقْرَارِ إنَّمَا يَلْحَقُهُ بِالْقِسْمَةِ مَعَ إقْرَارِ الْمُقِرِّ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>