التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ، ثُمَّ مَاتَتْ كَانَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مِنْ غُرَمَائِهَا فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهَا بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ حَاجَتِهِ فَإِنَّ حَاجَةَ الْمُكْتَسِبِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ.
مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ بِنْتًا فَكَبِرَتْ وَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِالدَّارِ، ثُمَّ أُسِرَتْ لَمْ تَكُنْ فَيْئًا؛ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ تَبَعٌ لِأُمِّهَا وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْأَسْرِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ أَحَدًا لَا يَتَكَاتَبُ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّ الِابْنَةَ لَوْ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً حَقِيقَةً لَصَارَتْ فَيْئًا بِالْأَسْرِ فَإِنْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُ الِابْنَةَ مِنْ الْحَبْسِ حَتَّى تَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهَا؛ لِأَنَّ حَبْسَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى فِيهَا، وَفِي سِعَايَتِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا ارْتَدَّتْ لَمْ تُحْبَسْ وَلَكِنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْمَوْلَى يَسْتَخْدِمُهَا وَيَحْبِسُهَا فَكَذَلِكَ الِابْنَةُ هُنَا تَخْرُجُ لِتَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهَا مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ قَتَلَهَا الْوَلَدُ فَقَتْلُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَتِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَكَأَنَّهَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهَا فَلَوْ وَجَبَ لَهَا بِجِنَايَتِهِ شَيْءٌ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهَا فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَإِنْ جَنَتْ الْأُمُّ جِنَايَةً عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْجِنَايَةِ وَالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ تَسْعَى فِيهَا فَإِنْ عَجَزَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَلَدِ يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِشَيْءٍ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ بِعَجْزِهِ كَمَا لَوْ عَجَزَتْ فِي حَالِ حَيَاتِهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ مَاتَتْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَطَلَ حَقُّهُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ مُكَاتَبَةِ الرَّجُلَيْنِ]
(قَالَ): وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبَهُ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِأَدَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ سَالِمٍ لِلْقَابِضِ بَلْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ أَدَاؤُهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَأَدَائِهِ إلَيْهِمَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إعْتَاقِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute