[كِتَابُ السَّرِقَةِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ السَّرِقَةِ
(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ الْأُسْتَاذُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: السَّرِقَةُ لُغَةً أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ عَيْنَ حَافِظِهِ وَيَطْلُبُ غُرَّتَهُ لِيَأْخُذَهُ، أَوْ يُسَارِقُ عَيْنَ أَعْوَانِهِ عَلَى الْحِفْظِ بِأَنْ يُسَامِرَهُ لَيْلًا؛ لِأَنَّ الْغَوْثَ بِاللَّيْلِ قَلَّ مَا يَلْحَقُهُ. وَهِيَ نَوْعَانِ: صُغْرَى وَكُبْرَى، فَالْكُبْرَى هِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ فِي مَكَان لَا يَلْحَقُ صَاحِبُهُ الْغَوْثَ وَيَطْلُبُ غَفْلَةَ مَنْ الْتَزَمَ حِفْظَ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهُوَ السُّلْطَانُ، وَالْعُقُوبَةُ تُسْتَحَقُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ عَلَى حَسَبِ الْجَرِيمَةِ فِي الْغِلَظِ وَالْخِفَّةِ
فَهَذَا الْكِتَابُ لِبَيَانِ هَذَيْنِ الْحَدَّيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ مِنْهُمَا بِالنَّصِّ.
أَمَّا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى الْوَاجِبُ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيَدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] وَالْوَاجِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى قَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدَّيْنِ عُقُوبَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّى أَحَدَهُمَا نَكَالًا وَالْآخَرَ خِزْيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} [المائدة: ٣٣] وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ مُوجِبِ الْفِعْلِ، فَقَدْ سَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْكَمَالِ، يُقَالُ: خَزَى أَيْ قَضَى وَجَزَأَ بِالْهَمْزَةِ أَيْ: كَفَى، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ جَمِيعُ مُوجِبِ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْعِبَادِ يَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مُوجَبِ الْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ هَذَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الْمُسْتَحَقُّ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الرُّسْغِ، وَقَالَ الْخَوَارِجُ: إلَى الْمَنْكِبِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَارِحَةِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْآبَاطِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمُسْتَحَقُّ قَطْعُ الْأَصَابِعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بَطْشَهُ كَانَ بِالْأَصَابِعِ فَتُقْطَعُ أَصَابِعُهُ لِيَزُولَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْبَطْشِ بِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَنْصُوصُ قَطْعُ الْيَدِ وَقَطْعُ الْيَدِ قَدْ يَكُونُ مِنْ الرُّسْغِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute