للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْتَلِفَةٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ بِسَبَبِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَجَالِسُ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَيُوجِبُ بِكُلِّ فِعْلٍ دِمَاءً بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ مِرَارًا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ، وَبِهِ فَارَقَ الْحَلْقَ فَإِنَّ مَحَلَّ الْفِعْلِ هُنَاكَ وَاحِدٌ، وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى امْرَأَةً وَاحِدَةً أَوْ نِسْوَةً إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ شَاةٌ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ نُقْصَانٌ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى فَالْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ صَادَفَتْ إحْرَامًا نَاقِصًا فَيَجِبُ الدَّمُ، وَيَكُونُ قِيَاسُ الْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَذًى فِي أَظْفَارِهِ حَتَّى قَصَّهَا فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ شَاءَ لِلْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ مَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلدَّمِ إذَا فَعَلَهُ لِعُذْرٍ تَخَيَّرَ فِيهِ الْمَعْذُورُ بَيْنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُحْرِمٌ دَلَّ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَاجِبٌ بِقَتْلِ الصَّيْدِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مُتَّصِلٌ مِنْ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ فَأَمَّا الدَّلَالَةُ وَالْإِشَارَةُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْمَحِلِّ وَهُوَ الصَّيْدُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ فِيمَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الْحَلَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الدَّالِّ إذَا كَانَ حَلَالًا بِالِاتِّفَاقِ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَنَفْسِهِ، وَلَا يَضْمَنَ الدَّالُّ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ، وَلَا عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا بِسَبَبِ الدَّلَالَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ إنِّي أَشَرْت إلَى ظَبْيٍ وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَتَلَهُ صَاحِبِي فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاذَا تَرَى عَلَيْهِ فَقَالَ أَرَى عَلَيْهِ شَاةٌ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَنَا أَرَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُئِلَا عَنْ مُحْرِمٍ دَلَّ عَلَى بَيْضِ نَعَامَةٍ فَأَخَذَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَشَوَاهُ فَقَالَا عَلَى الدَّالِّ جَزَاؤُهُ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>