وَلَكِنْ يُقَالُ مَا كَانَ أَدْنَى الْمِقْدَارِ شَرْعًا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَهُ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ
(قَالَ) وَلَوْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَنَّ الْمَقْصُوصَ خَمْسَةُ أَظْفَارٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ أَوْ مِنْ أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا فِي الْحَلْقِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ رُبْعَ الرَّأْسِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَوَانِبَ مُتَفَرِّقَةٍ فِي إيجَابِ الدَّمِ، وَكَمَا فِي حُكْم الْأَرْشِ لَا فَرْقَ فِي إيجَابِ دِيَةِ الْيَدَيْنِ بَيْنَ قَطْعِ خَمْسَةِ أَصَابِعَ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ يَدَيْنِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهُمَا يَقُولَانِ جِنَايَتُهُ لَمْ تَتَكَامَلْ لِأَنَّ مَعْنَى الزِّينَةِ وَالرَّاحَةِ لَا يَحْصُلُ بِقَصِّ بَعْضِ الْأَظْفَارِ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَظْفَارِ مَقْصُوصًا دُونَ الْبَعْضِ فَيَزْدَادُ بِهِ شُغْلُ قَلْبِهِ لَا أَنْ يَنَالَ بِهِ الرَّاحَةَ فَإِذَا لَمْ تَتَكَامَلْ الْجِنَايَةُ كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى قَالُوا: لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّ تَفْرِيقَ الْحَلْقِ مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ عَادَةٌ فَيَتِمُّ بِهِ مَعْنَى الرَّاحَةِ.
(قَالَ) وَإِذَا انْكَسَرَ ظُفْرُ الْمُحْرِمِ فَانْقَطَعَ مِنْهُ شَظِيَّةٌ فَقَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُنْكَسِرَ لَا يَنْمُو مِنْ الْبَدَنِ فَقَلْعُهُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَكَسَّرَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَيَبِسَ إذَا أَخَذَهُ إنْسَانٌ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ مَعْنَى النُّمُوِّ.
(قَالَ) وَإِنْ قَصَّ الْأَظْفَارَ كُلَّهَا فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ فَإِنْ كَانَ حِينَ قَصَّ أَظْفَارَ يَدٍ وَاحِدَةٍ كَفَّرَ ثُمَّ قَصَّ أَظْفَارَ أُخْرَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى قَدْ ارْتَفَعَتْ بِالتَّكْفِيرِ فَفِعْلُهُ الثَّانِي يَكُونُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً فَيُوجِبُ كَفَّارَةً أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَصَّ الْأَظْفَارَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَصَّ الْأَظْفَارَ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ تَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ فَلَا تُوجِبُ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ لَا فَرْقَ أَنْ يَكُونَ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مَبْنَى الْوَاجِبِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَفِيمَا يَنْبَنِي عَلَى التَّدَاخُلِ الْمَجْلِسُ الْوَاحِدُ، وَالْمَجَالِسُ الْمُتَفَرِّقَةُ فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ، وَكَمَا فِي الْحُدُودِ. وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ بِاعْتِبَارِ كُلِّ عُضْوٍ فِي مَجْلِسٍ دَمٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي مَحَالَّ مُخْتَلِفَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنَايَةٌ مُتَكَامِلَةٌ مِنْهَا فَتُوجِبُ الدَّمَ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَقَ فِي مَجْلِسٍ، وَقَصَّ الْأَظْفَارَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَهَذَا لِأَنَّ كَفَّارَاتِ الْإِحْرَامِ يَغْلِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَلَا يَجْرِي التَّدَاخُلُ فِي الْعِبَادَةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَالْمَحَالُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute