للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ ضِدُّ مُوجَبِ النِّكَاحِ.

وَلَوْ قَالَ أَلَمْ أُطَلِّقْكِ أَمْسِ أَوْ أَمَا طَلَّقْتُكِ أَمْسِ فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ مَعْنَى التَّقْرِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: ١٣٠] أَيْ قَدْ أَتَاكُمْ وَتَقْرِيرُ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَكَانَ إقْرَارًا بِهِمَا.

وَلَوْ قَالَ هَلْ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ كَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَكَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ.

وَلَوْ قَالَتْ هَذَا ابْنِي مِنْكَ، فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً أَنَّهَا حُرَّةٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ وَالشَّرْعُ إنَّمَا يُرِيدُ الصَّحِيحَ دُونَ الْفَاسِدِ وَلَا يَثْبُتُ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ عَلَى الْحُرَّةِ إلَّا بِالنِّكَاحِ فَكَانَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى النَّسَبِ اتِّفَاقًا عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ النِّكَاحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ وَالْحُرِّ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِحُرٍّ أَوْ لِعَبْدٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَهَذَا لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ التِّجَارَةِ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ مِمَّا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ، فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِذَلِكَ.

وَلَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنٍ جَازَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَصَارَ الْمَوْلَى مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ.

وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالْحُدُودِ جَائِزٌ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ بِهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَهْرٍ مِنْ نِكَاحٍ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا هُوَ سَبَبُ اكْتِسَابِ الْمَالِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ افْتَضَّ امْرَأَةً بِأُصْبُعِهِ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ صَبِيَّةً فَهَذَا يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ التَّاجِرَ لَوْ أَقَرَّ بِهِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ.

وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ صَحِيحٌ فِي حَالِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ فِيهِ وَكَسْبُهُ حَقُّهُ، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَطَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَازَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا إذَا عَجَزَ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ قُلْنَا إذَا عَجَزَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي يَبْطُلُ إقْرَارُهُ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَعَلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِقَتْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>