رَجُلٍ خَطَأً، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ هُنَا الْجَوَابُ مُطْلَقٌ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى كَسْبِهِ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَدَفَعَ بِهِ، فَأَمَّا جِنَايَتُهُ بِالِافْتِضَاضِ بِالْأُصْبُعِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ بِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَانَ مُطَالَبًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا كَانَ سَبَبُهُ إقْرَارَهُ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي، وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِأَرْشِ جِنَايَةِ الْخَطَأِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ فَأَدَّى بَعْضَهُ، ثُمَّ عَجَزَ بَطَلَ فِيهِ مَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِهِ إنَّمَا يُطَالَبُ بِإِقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الدُّيُونِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَفِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ تَاجِرٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَأَرَادَ مَوْلَاهُ أَخْذَهُ مِنْ الْمُقِرِّ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا فِي مَكَاسِبِهِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا حَتَّى لَا يَتِمَّ كَسْبُهُ لِمَوْلَاهُ إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ فَأَخْذُ الْمَوْلَى لِذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ عَنْهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ لِعَبْدٍ بِوَدِيعَةٍ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا جَازَ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ بِهَا لِغَيْرِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي يَدِ الْمُودَعِ.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ صَحَّ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، وَلَمْ يَصِحَّ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ لِعَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ دُونَ الْآخَرِ جَازَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَجَازَ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا يَخْتَصُّ الْإِذْنُ بِشَيْءٍ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا اخْتِصَاصُ الْإِذْنِ يُعَلِّقُ دَيْنَ الْعَبْدِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ لَا بِصِحَّةِ الِاكْتِسَابِ مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا يُسَلَّمُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ شَيْءٌ لِلَّذِي لَمْ يَأْذَنْهُ مَا لَمْ يَقْضِ الْعَبْدُ دَيْنَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ سَلَامَةَ الْكَسْبِ لِلْمَوْلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِفَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَاكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ ذَلِكَ الْكَسْبُ مَصْرُوفًا إلَى دَيْنِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هَذَا الْعَبْدُ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ فِي حِصَّةِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ وَنَصِيبُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute