للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابٌ مِنْ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ]

(بَابٌ مِنْ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ) (قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِشْرُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ دُرْجٍ: عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَجْهُ قَوْلِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْعَشَرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ تَكُونُ مِائَةً فَإِقْرَارُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ). وَلَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ حِسَابَ الضَّرْبِ فِي الْمَمْسُوحَاتِ لَا فِي الْمَوْزُونَاتِ مَعَ أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْآخَرِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَالِ، وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ تَكَثَّرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ حَرْفُ " فِي " بِمَعْنَى حَرْفِ " نُونٍ "، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] أَيْ مَعَ عِبَادِي فَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ وَكُنَّا نَقُولُ حَرْفُ " فِي " لِلظَّرْفِ، وَالدَّرَاهِمُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلدَّرَاهِمِ وَجَعْلُهُ بِمَعْنَى " مَعَ " مَجَازٌ، وَالْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حَرْفِ " مَعَ "، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حَرْفِ " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِأُصَلِّبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بَقِيَ الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ فَيَلْزَمُ عَشَرَةٌ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ لَغْوٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَنَيْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ فَحِينَئِذٍ يَعْمَلُ بَيَانُهُ بَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي بِمَعْنَى مَعَ أَوْ بِمَعْنَى وَاوِ الْعَطْفِ، وَفِيهِ تَسْدِيدٌ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ بَيَانُهُ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ وَالْقَفِيزُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْعَلُ وِعَاءً لِلدِّرْهَمِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ حَرْفِ الظَّرْفِ فِيهِ فَيَلْغُو آخِرُ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ وَبِالدِّرْهَمِ، وَلَمْ يَعْطِفْ عَلَيْهِ الْقَفِيزَ لِيُعْتَبَرَ كَالْمُقْتَرِنِ بِهِ حُكْمًا فَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الدِّرْهَمُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فِي دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الْقَفِيزُ وَبَطَلَ الدِّرْهَمُ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لِلْقَفِيزِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ فِرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الزَّيْتُ وَالْحِنْطَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلزَّيْتِ.

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِي ثَوْبٍ يَهُودِيٍّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الثَّوْبُ الْيَهُودِيُّ هُوَ الدَّيْنُ وَالْخَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَسْلَمَهَا إلَيَّ فِيهِ فَهَذَا بَيَانٌ، وَلَكِنْ فِيهِ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ كَلَامِهِ كَوْنُ الْخَمْسَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَبِمَا ذَكَرَهُ الْآنَ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّوْبَ دَيْنٌ عَلَيْهِ دُونَ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ، وَبَيَانُ التَّعْبِيرِ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الطَّالِبُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ قُلْنَا الْحَقُّ لَا يَدِينُهُمَا فَيَثْبُتُ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ جَحَدَ كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَلِيُّهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ عَقْدَ السَّلَمِ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُقِرُّ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ كَمَا أَقَرَّ بِهِ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>