الْمُضَارِبِ لَهُ ثَبَتَ حَقُّهُ وَصَارَ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، ثُمَّ بِإِقْرَارِهِ لِلثَّانِي صَارَ جَاحِدًا لِحَقِّ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا هُوَ تَصَرَّفَ وَرَبِحَ بَعْدَ جُحُودِهِ فَيَكُونُ نِصْفُ الرِّبْحِ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَكِنَّهُ بِسَبَبِ جَلْبِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيَغْرَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ أَمَّا لِلْأَوَّلِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ وَأَمَّا لِلثَّانِي فَلِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ دَفَعَ الْأَمَانَةَ إلَى غَيْرِهِ وَبِإِقْرَارِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ.
وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْمَالَ مُضَارَبَةٌ فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَصَدَّقَاهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ لَمْ يُصَدَّقْ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا يَقْتَضِي الْمُنَاصَفَةَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ بَيَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا.
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُضَارِبَانِ بِمَالٍ فِي أَيْدِيهِمَا أَنَّهُ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ وَصَدَّقَهُمَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَرَّ رَبُّ الْمَالِ لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ بِرُبُعِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَسْتَوْجِبُ الرِّبْحَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي بَيَانِ شَرْطِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَإِذَا أَقَرَّ بِمُضَارَبَةٍ لِرَجُلٍ، وَلَمْ يُسَمِّيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُسَمِّي مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جُهِلَ الْمُقَرُّ بِهِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِهِ قَوْلُهُ، وَإِنْ مَاتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْفٌ عَنْهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْبَرَاءَةِ وَغَيْرِهَا]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ لَا حَقَّ لِي عَلَى فُلَانٍ فِيمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا مُسَمًّى قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْبَرَاءَةُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا بِقَوْلِهِ فِيمَا أَعْلَمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْإِقْرَارِ يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا فَكَذَلِكَ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْإِقْرَارِ بِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَقِيلَ بَلْ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ: إنَّ بِانْتِفَاءِ حُقُوقِهِ عَنْ الْغَيْرِ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَقِيقَةً فَقَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِنَفْيِ الْيَقِينِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَقِّ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَهُ بِمَعْرِفَةِ سَبَبِهِ حَقِيقَةً فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ لِلتَّشْكِيكِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فِي عِلْمِي أَوْ فِي نَفْسِي أَوْ فِي ظَنِّي أَوْ فِي رَأْيِي أَوْ فِيمَا أَرَى أَوْ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا أَحْسَبُ أَوْ حِسَابِي أَوْ كِتَابِي لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُذْكَرُ لِاسْتِثْنَاءِ الْيَقِينِ فِيمَا يُقَرِّرُ بِهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا أَوْ مُوجِبًا لِلْبَرَاءَةِ.
وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ إلَّا بِتَارِيخٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْبَرَاءَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute