اسْتَيْقَنْتُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " قَدْ عَلِمْتُ " خَبَرٌ عَنْ الْمَاضِي، وَقَدْ يُقَرِّرُهُ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ.
وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالْإِبْرَاءِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ دَعْوَى إلَّا بِتَارِيخٍ بَعْدَهُ، فَإِذَا أَكَّدَ بِمَا يُقْرَنُ بِهِ أَوْلَى.
وَإِذَا قَالَ: لَا حَقَّ لِي عَلَيْكَ فَأَشْهَدْ لِي عَلَيْكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْآخَرُ أَجَلْ لَا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ، ثُمَّ أَشْهَدَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالشُّهُودُ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَهَذَا بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَسَعُ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصَادُقِهِمَا عَلَى انْتِفَاءِ حَقِّهِ عَنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزُّورُ وَالْبَاطِلُ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يَصِيرُ بِالْإِشْهَادِ وَاجِبًا، وَإِذَا عَلِمَ الشُّهُودُ انْتِفَاءَ وُجُوبِ الْمَالِ حَقِيقَةً لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ شَيْئًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ لَا يَسَعُ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ عَلَيْهِ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ تَلْجِئَةً، فَقَالَ الطَّالِبُ بَلْ هُوَ حَقٌّ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ تَلْجِئَةٌ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ تَلْجِئَةً كَالرُّجُوعِ مِنْهُ عَنْ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ عَلَى إقْرَارِ حَقٍّ لَازِمٍ وَمَا يَكُونُ تَلْجِئَةً فَهُوَ بَاطِلٌ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ كَانَ زُورًا وَالْإِقْرَارُ بِالزُّورِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ زُورًا وَبَاطِلًا وَكَذِبًا، فَقَالَ فُلَانٌ صَدَقَ فِي جَمِيعِ مَا قَالَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ قَالَ صَدَقَ فِي الْمَالِ وَكَذَبَ فِي قَوْلِهِ زُورًا وَبَاطِلًا أَخَذْتُهُ بِالْأَلْفِ لِمَا بَيَّنَّا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمِ تَلْجِئَةً لَزِمَ الْمُقِرَّ الْبَيْعُ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي قَوْلِهِ تَلْجِئَةً، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي جَمِيعِ مَا قَالَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّصْدِيقِ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ إذَا لَمْ يَخُصَّ فِيهِ شَيْئًا.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ فُلَانٌ مَا لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ فَقَدْ بَرِئَ الْمُقِرُّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ فِي الْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّهُ صَارَ مِيرَاثًا لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ فِي الْحَالِ لِأَنِّي أَبْرَأْتُكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا كَانَ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِ حَقِّهِ فِي الْمَاضِي نَفْيُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَعَادَ الْإِقْرَارَ، وَقَالَ: بَلْ لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَجَلْ هِيَ لِي عَلَيْكَ لَزِمَتْهُ أَمَّا عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَطَلَ بِالتَّكْذِيبِ فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ بَقِيَ إقْرَارُهُ الثَّانِي، وَقَدْ صَدَّقَهُ فِيهِ، وَعَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي الْإِبْرَاءُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا كَانَ وَاجِبًا وَقْتَ الْإِبْرَاءِ، فَأَمَّا فِيمَا يَجِبُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ ذَلِكَ الْإِبْرَاءُ وَالْإِقْرَارُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِبْرَاءِ السَّابِقِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِفُلَانٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute