نَصِيبَهُ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِلْمَنْفَعَةِ فِي هَذَا الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَبْطَلَهُ صَاحِبُهُ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي هَذَا الشَّرْطِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ خَاصَّةً فَتَسْقُطُ، وَهُوَ شَرْطٌ وَرَاءَ مَا تَمَّ بِهِ الْعَقْدُ، فَإِذَا سَقَطَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الشِّرْبِ]
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً اعْلَمْ بِأَنَّ الشِّرْبَ هُوَ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ لِلْأَرَاضِيِ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥] وَقَالَ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨] وَقِسْمَةُ الْمَاءِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ جَائِزَةٌ.
بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ تَعَامَلُوهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ، وَهُوَ قِسْمَةٌ تَجْرِي بِاعْتِبَارِ الْحَقِّ دُونَ الْمِلْكِ إذْ الْمَاءُ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ، وَالْقِسْمَةُ تَجْرِي تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ كَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ وَالْمُشْتَرَى وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْحَقِّ كَقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ بَدَأَ الْكِتَابُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهُ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» وَالْمُرَادُ الْحَفْرُ فِي الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْحَفْرَ فَقَطْ وَمِثْلُ هَذَا فِي لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِبَيَانِ السَّبَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» وَلَكِنْ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يُثْبِتُ نَفْسَ الْحَفْرِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، فَلَا يَقْوَى الِاسْتِدْلَال بِهَا ثُمَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبِئْرَ لَهَا حَرِيمٌ مُسْتَحَقٌّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبِئْرِهِ إلَّا بِمَا حَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَقِفَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ يَسْقِي الْمَاءَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ مَا يُرَكِّبُ عَلَيْهِ الْبَكَرَةَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ حَوْضًا يَجْمَعُ فِيهِ الْمَاءَ، وَإِلَى مَوْضِعٍ تَقِفُ فِيهِ مَوَاشِيهِ عِنْدَ الشُّرْبِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى مَوْضِعٍ تَنَامُ فِيهِ مَوَاشِيهِ بَعْدَ الشُّرْبِ فَاسْتَحَقَّ الْحَرِيمَ لِذَلِكَ.
وَقَدَّرَ الشَّرْعُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ النَّصُّ دُونَ الرَّأْيِ إلَّا أَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute