بَعْدَ ذَلِكَ وَبِالْعِتْقِ إنَّمَا يَفُوتُهَا الْحِلُّ الَّذِي كَانَ قَائِمًا قَبْلَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِعْمَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَتَطَيَّبُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَوْلَى عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ حِينَ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ بَلْ بِسَبَبِ الْعِتْقِ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. .
[بَابُ الْمُتْعَةِ وَالْمَهْرِ]
اعْلَمْ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمُتْعَةِ فِي فُصُولٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُتْعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠]، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ٢٣٦]، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ حَتْمًا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَغَيْرِ الْمُتَّقِينَ وَلَمَّا أَمَرَ شُرَيْحٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمُطَلِّقَ بِأَنْ يُمَتِّعَهَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أُمَتِّعُهَا بِهِ فَقَالَ إنْ كُنْت مِنْ الْمُحْسِنِينَ أَوْ مِنْ الْمُتَّقِينَ فَمَتِّعْهَا وَلَمْ يُجْبِرْهُ وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُسْقِطً لَا مُوجِبٌ وَلَوْ وَجَبَتْ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَزَالَ الْمِلْكَ لَا إلَى أَثَرٍ فَكَيْف تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ.
(وَلَنَا) فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١] فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَضَافَ الْمُتْعَةَ إلَيْهِنَّ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ ثُمَّ قَالَ حَقًّا وَذَلِكَ دَلِيلُ وُجُوبِهِ وَقَالَ عَلَى الْمُتَّقِينَ وَكَلِمَةُ عَلَى تُفِيدُ الْوُجُوبَ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٤٩] وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا تَنْفَكُّ عَنْ الْوَاجِبِ لَهَا كَمَا إذَا كَانَ فِي النِّكَاحِ مُسَمًّى.
ثُمَّ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْمَسِيسِ إذَا كَانَ مَهْرُهَا مُسَمًّى فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَنَا لَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ وَلَيْسَ لَهَا مُتْعَةٌ وَاجِبَةٌ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا مُتْعَةٌ وَاجِبَةٌ لِعُمُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute