للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢٤١] إلَّا أَنَّا خَصَصْنَا الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] فَجَعَلَ كُلَّ الْوَاجِبِ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ النِّكَاحِ فَأَمَّا الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهَا بِالدُّخُولِ فَتَبْقَى الْمُتْعَةُ لَهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ لَهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ سِوَى النِّكَاحِ وَهُنَا بَيْنَهُمَا سَبَبٌ سِوَى النِّكَاحِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْمُتْعَةِ هُنَا. .

(وَلَنَا) أَنَّهَا إنَّمَا اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ عَلَى زَوْجِهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ مَعَ ذَلِكَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ مُعَاوَضَةٍ وَبَعْدَ تَقَرُّرِ الْفَرْضِ لَا حَاجَةَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ فَلَأَنْ لَا تُجَامِعَ جَمِيعَ الْمُسَمَّى أَوْلَى وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْمُتْعَةَ تَجِبُ خَلَفًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّ أَوَانَ وُجُوبِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا أَصْلًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِالْمِلْكِ أَصْلًا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ خَلَفًا لِأَنَّ بِالْخَلَفِ يَبْقَى مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْحُكْمِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ بِحَالٍ.

وَإِذَا وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ فَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ فَهِيَ لَا تَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ الْأَصْلِ فَتَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٢٨] وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ فَدَلَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَكَذَلِكَ كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَتْ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ الْمُسَمَّى فَكَمَا أَنَّ فِي النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ لَا يَجِبُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا.

(قَالَ) وَأَدْنَى مَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ شَيْءٌ نَفِيسٌ يُعْطِيهَا الزَّوْجُ تَذْكِرَةً لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

(وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١] وَاسْمُ الْمَتَاعِ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ وَتَقْدِيرُ الْمُتْعَةِ بِالثِّيَابِ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ أَرْفَعُ الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ وَأَوْسَطُ الْمُتْعَةِ الْكِسْوَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>