وَإِنْ قَالَا: قَدْ سَلَّمْنَاهَا مَعَهُ وَلِابْنِ أَحَدِهِمَا شُفْعَةٌ، أَوْ لِابْنِهِ، أَوْ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَكَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا أَزَالَ بِهَا الْمُزَاحَمَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ إذَا أَزَالَ الْمُزَاحَمَةَ عَنْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَيْهِمَا بِشَهَادَتِهِ مَنْفَعَةً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الشُّفْعَةِ بِالْعُرُوضِ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عِنْدَنَا. وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الدَّارِ)؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَمَّى، وَقَدْ تَعَذَّرَ هُنَا إيجَابُ الْمُسَمَّى فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الضَّمَانِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ قِيمَةُ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِوُصُولِ قِيمَةِ مِلْكِهِ إلَيْهِ. وَمِلْكُهُ عِنْدَ الْأَخْذِ رَقَبَةُ الدَّارِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَالْمِثْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، أَوْ فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِهِ صُورَةً وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِهِ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ، كَالْغَاصِبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِرَدِّ الْمِثْلِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ صَارَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ فِي تَمَلُّكِهَا بِهَذَا السَّبَبِ وَفِي مَعْنَى التَّلَفِ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا غَرِمَ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهَا بِمَا غَرِمَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ، فَقَدْ صَارَ مُتْلِفًا حَقَّهُ فِيمَا اسْتَوْجَبَ قِبَلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ أَتْلَفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً ضَمِنَ الْمِثْلَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ انْتَقَضَ الشِّرَاءُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عِنْدَنَا
وَ (قَالَ): زُفَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ انْتَقَضَ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا لِلشَّفِيعِ فَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَخْذِ دَفْعُ ضَرَرِ الْجَارِ الْحَادِثِ، وَقَدْ انْدَفَعَ ضَرَرُهُ حِينَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ بَدَلَ الدَّارِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهَا بِهِ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ كَمَا قَبِلَهُ، وَلَيْسَ فِي هَلَاكِ الْعَبْدِ، إلَّا انْفِسَاخُ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَأَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ فَسْخُ الْبَيْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُثْبِتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute