رِوَايَةُ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ أَنَّ الزَّبِيبَ نَظِيرُ التَّمْرِ فَإِنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ وَالْقِيمَةِ فَكَمَا يَتَقَدَّرُ مِنْ التَّمْرِ بِصَاعٍ فَكَذَلِكَ مِنْ الزَّبِيبِ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ «أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الزَّبِيبَ نَظِيرُ الْبُرِّ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَكَمَا يَتَقَدَّرُ مِنْ الْبُرِّ بِنِصْفِ صَاعٍ لِهَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ مِنْ الزَّبِيبِ وَالْأَثَرُ فِيهِ شَاذٌّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ التَّقْدِيرُ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَاشْتَهَرَ لِعِلْمِهِمْ بِهِ.
وَإِنْ أَرَادَ الْأَدَاءَ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ أَعْطَى بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ عِنْدَنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سَائِرِ الْحُبُوبِ نَصٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَكَذَا مِنْ الْأَقِطِ يُؤَدِّي بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَتَقَدَّرُ مِنْ الْأَقِطِ بِصَاعٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ لَا أُحِبَّ لَهُ الْأَدَاءَ مِنْ الْأَقِطِ وَإِنْ أَدَّى فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ «أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ الْأَقِطُ: كَانَ قُوتًا لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا أَنَّ الشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ كَانَا قُوتًا فِي أَهْلِ الْبِلَادِ وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: الْحَدِيثُ شَاذٌّ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ التَّقْدِيرِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيَبْقَى الِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيمَا هُوَ مَنْصُوصٌ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ هُنَا إبْطَالُ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ فِي الْمُؤَدَّى، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَنْصُوصِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ وَسَوِيقُ الْحِنْطَةِ كَدَقِيقِهَا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ لِمَا بَيَّنَّا فِي الدَّقِيقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الِاعْتِكَافِ]
الِاعْتِكَافُ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمَسَاجِدِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْقُرْبِ وَتَرْكُ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ لَأَجْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالسُّنَّةُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَجَبًا مِنْ النَّاسِ كَيْفَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute