مَوْتِ الْمُوصِي سَوَاءٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْجَارِيَةُ فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُث فَيُعْتَقُ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ وَرَدِّهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ مَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقَبُولِ وَالرَّدِّ قَبْلَ أَوَانِهِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي فَإِنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْمُوصَى بِهِ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إبْطَالَهُ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ، إنْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَطَلَتْ بِرَدِّهِ عِنْدَنَا وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ بِالْإِرْثِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَقِبَ الْمَوْتِ، ثُمَّ الْإِرْثُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْوَارِثِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هَاهُنَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ صَارَ خَلَفًا عَنْ الْمُوصِي فِي مِلْكِ الْمُوصَى بِهِ كَالْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ وَجْهُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبُولِ أَوْ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالتَّمْلِيكِ لِسَائِرِ الْعُقُودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي، وَالْمِلْكُ الْمُتَجَدِّدُ يَسْتَدْعِي شَيْئًا مُبْتَدَأً، وَأَحَدٌ لَا يَمْلِكُ تَتْمِيمَ سَبَبِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوَرِّثِ حَتَّى يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ، وَالْبَقَاءُ لَا يَسْتَدْعِي سَبَبًا مُبْتَدَأً أَوْ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إدْخَالُ الشَّيْءِ فِي مِلْكِهِ قَصْدًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَفِي الْمِيرَاثِ الْمِلْكُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُوَرِّثِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِلشَّرْعِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، فَأَمَّا مَا هُنَا فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِإِيجَابِ الْمُوصِي بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لِانْعِدَامِ وِلَايَةِ الْمُوصِي عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصَى لَهُ.
وَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ تَضَرَّرَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَعْمَى تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إذَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لَهُ.
وَلَوْ أَوْصَى بِدِنَانٍ مُسْكِرَةٍ أَوْ بِزِبْلٍ اجْتَمَعَتْ فِي دَارِهِ.
وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِغَيْرِ قَبُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ نَقْلُهَا شَاءَ أَوْ أَبَى، وَفِي هَذِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِآنِيَةٍ أَوْ بِمَمْلُوكٍ لَهُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مَمْلُوكٍ قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ مَلَكَهُ، لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute