[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْوَكَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً: اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحِفْظِ، وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْحَفِيظِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣] وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: " وَكَّلْتُك بِمَالِي ": إنَّهُ يَمْلِكُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحِفْظَ فَقَطْ، وَقِيلَ مَعْنَى الْوَكَالَةِ: التَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ، وَمِنْهُ التَّوَكُّلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: ٨٩]، يَعْنِي فَوَّضْنَا إلَيْهِ أُمُورَنَا وَسَلَّمْنَا، فَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ وَتَسْلِيمُ الْمَالِ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ، ثُمَّ لِلنَّاسِ إلَى هَذَا الْعَقْدِ حَاجَةٌ مَاسَّةٌ. فَقَدْ يَعْجِزُ الْإِنْسَانُ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلسَّفَرِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ وَكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ، أَوْ لِكَثْرَةِ مَالِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ عُرِفَ جَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩] وَهَذَا كَانَ تَوْكِيلًا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ، وَبِهِ وَكَّلَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ فَلَمَّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا أَعْطَاهُ عَلَامَةً، وَقَالَ: ائْتِ وَكِيلِي بِخَيْبَرَ لِيُعْطِيَكَ مَا سَأَلْتنِي بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكِتَابَ وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَنْ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَنِ فَوَكَّلَ أَخَاهُ بِنَفَقَتِي فَخَاصَمْتُهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجْعَلْ لِي نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى» فَفِي هَذَا جَوَازُ التَّوْكِيلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِظَاهِرِ الْحَدِيثِ يَسْتَدِلُّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَقُولُ: " لَيْسَ لِلْمَبْتُوتَةِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى ". وَلَكِنَّا نَقُولُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَلَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهَا كَانَتْ بَذِيئَةَ اللِّسَانِ بَذِيَّةً عَلَى أَحْمَاءِ زَوْجِهَا فَأَخْرَجُوهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ، فَظَنَّتْ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute