بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ هَذِهِ الْأَمَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَأَبِيعُكَ هَذِهِ الْأَمَةَ، وَقَدْ أَجَابَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ هَذَا، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَاتِ وَالتَّوْفِيقَ فِيمَا أَمْلَيْنَا مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَكَرْمًا، وَقَالَ: ازْرَعْ هَذِهِ الْأَرْضَ بِبَذْرِكَ عَلَى هَذَا الْكَرْمِ فَاكْسَحْهُ وَاسْقِهِ، فَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَا شَرَطَ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ فَلَا يَفْسُدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْخِلَافِ فِي الْمُزَارَعَةِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ سَنَتَهُ هَذِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُسَمِّيَا الْبَذْرَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ، وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ ثُمَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِك، وَلَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْآخَرِ، وَيُحْكَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، أَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ صَحِيحًا، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالشَّرْطِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ تَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ لِلْعُرْفِ، فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِالرُّجُوعِ إلَى الظَّاهِرِ الْمُتَعَارَفِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلْمُزَارِعِ: عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا سَنَتَكَ هَذِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ لَا يَتَعَيَّنُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَالْمَزَارِعُ هُوَ الَّذِي يَزْرَعُ الْبَذْرَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا سَنَتَكَ هَذِهِ لِنَفْسِك بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، فَيَكُونُ هُوَ أَجِيرًا عَامِلًا لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَفِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْبَذْرِ عَلَى الْمُزَارِعِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الزَّرْعِ أَضَرُّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَا لَمْ يُبَيَّنْ جِنْسُ الْبَذْرِ لَا يَصِيرُ مِقْدَارُ مَا يَسْتَوْفِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعْلُومًا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُطَالِبُهُ بِأَنْ يَزْرَعَ فِيهَا أَقَلَّ مَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَى الْأَرْضِ، وَالْمُزَارِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute