الْوَلَدِ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّهَا أَمَتُهُ أَعْتَقَهَا، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ، فَبَيِّنَةُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهَا إثْبَاتُ حُرِّيَّتِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوطَأَ بِالْمِلْكِ بَعْدَمَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهَا، وَلَوْ شَهِدَ شُهُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ ذَلِكَ بِالْغَصْبِ عَلَى الْآخَرِ كَانَ شُهُودُ الْعِتْقِ أَيْضًا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَافِعَةٌ لِلْأُخْرَى طَاعِنَةٌ فِيهَا، وَلِلْمُعَارَضَةِ لَا تَنْدَفِعُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى، ثُمَّ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ زِيَادَةُ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ لَهَا، وَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ عَلَيْهَا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ إثْبَاتُ حَقٍّ قَوِيٍّ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْأُخْرَى تَتَرَجَّحُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ]
(قَالَ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا، ثُمَّ إنَّ الْمُكَاتَبَ كَاتَبَ أَمَةً مُسْلِمَةً، ثُمَّ أَدَّى الْأَوَّلُ فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَنَسَبُ الْكَافِرِ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْمُسْلِمِ، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ، وَأَصْلُ الْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ فَكَذَلِكَ أَثَرُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَرِثُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمِلَّةِ، وَشَرْطُ الْإِرْثِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمِلَّةِ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ جِنَايَتَهُ؛ لِأَنَّ عَقْلَ الْجِنَايَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَنْصُرُ الْكَافِرَ، فَإِذَا أَدَّتْ الْأَمَةُ فَعَتَقَتْ فَوَلَاؤُهَا لِلْمَكَاتِبِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ لِكَوْنِهِ حُرًّا، وَكَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، أَوْ يُعْتَبَرُ بِالنَّسَبِ، وَنَسَبُ الْمُسْلِمِ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْكَافِرِ فَإِنْ مَاتَتْ فَمِيرَاثُهَا لِلْمَوْلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ جَنَتْ فَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا وَهُوَ الْمَكَاتِبُ الْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَرِثَهَا، وَلَا أَنْ يَعْقِلَ جِنَايَتَهَا فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ مُعْتَقُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي وَلَاءِ مُعْتَقِهِ فِي حُكْمِ الْإِرْثِ وَعَقْلِ الْجِنَايَةِ، فَهَذَا مِثْلُهُ.
(فَإِنْ قِيلَ): فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ لَا يَرِثُهُ وَلَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (قُلْنَا): أَمَّا فَائِدَتُهُ النِّسْبَةُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ كَالنَّسَبِ، مَعَ أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُسْلِمُ فَيَرِثُهُ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ قَدْ ظَهَرَتْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْمَوْلَى الْمُسْلِمَ مُعْتِقُهُ فَيَرِثُهُ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهَا عَاقِلَتُهُ.
رَجُلٌ بَاعَ مُكَاتَبًا فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِالْكِتَابَةِ، وَفِي بَيْعِهِ إبْطَالُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute