رَجُلٍ فِي عَسْكَرِهِ، وَالشَّفِيعُ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَسْكَرِ الْبَغْيِ فَلَمْ يَطْلُبْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ، أَوْ لَمْ يَبْعَثْ وَكِيلًا، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلًا، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ الْوَكِيلَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ مَا تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الطَّلَبِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي غَيْرِ عَسْكَرٍ، وَلَا حَرْب غَيْرَ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَبَيْنَهُمَا قَوْمٌ مُحَارِبُونَ فَلَمْ يَقْدُمْ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلًا يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ أُبْطِلَتْ شُفْعَتُهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ مَخُوفٌ، أَوْ أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ كُنْتُ أَجْعَلُهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَقَدْ تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَكِيلٍ يَبْعَثُهُ، فِي هَذَا كُلِّهِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الطَّلَبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الشُّفْعَةِ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُوَكِّلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا وَكِيلًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِطَلَبِ سَائِرِ حُقُوقِهِ، فَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ فِي ذَلِكَ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِي الْخُصُومَاتِ، أَوْ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ وَكِيلِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ، إلَّا وَخَصْمُهُ مَعَهُ)؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ؛ لِيَقْضِيَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ، وَلَا يَقْضِي بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ لَا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِشِرَاءِ الدَّارِ، وَهِيَ فِي يَدِهِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا وَخَصْمُهُ الْوَكِيلُ، وَلَا أَقْبَلُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهَا إذَا كَانَ صَاحِبُهَا غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ بِإِقْرَارِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ إذَا أَقَرَّ بِحَقٍّ فِيهِ لِغَيْرِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَالْوَكِيلُ الَّذِي حَضَرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ صَاحِبِ الدَّارِ، فَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَجُوزُ، إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ حَتَّى إذَا أُجِّرَتْ الدَّارُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبْطَلْتَ الْبَيْعَ، وَالشُّفْعَةَ، وَرُدَّتْ الدَّارُ عَلَيْهِ لِتَصَادُقِهِمْ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كَانَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ الشَّفِيعِ، وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ عَقْدُهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالشَّفِيعُ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ
وَإِذَا طَلَبَ وَكِيلُ الشَّفِيعِ لَهُ الشُّفْعَةَ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أُرِيدُ يَمِينَ الشَّفِيعِ مَا سَلَّمَ لِي، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ بِهَذَا وَيُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ فَاطْلُبْ يَمِينَ الْآمِرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: لَا يَقْضِي بِهَا حَتَّى يَحْضُرَ الشَّفِيعُ وَيَحْلِفَ وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ (أَحَدُهَا) مَا بَيَّنَّا (وَالثَّانِي) وَكِيلُ صَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا طَالَبَ الْمَدْيُونَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ وَقَالَ الْمَدْيُونُ أُرِيدُ يَمِينَ الْمُوَكِّلِ مَا أَبْرَأَنِي، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَيُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute