للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَقَوْلُهُ: فَحَمَلَنِي أَبِي عَلَى عَاتِقِهِ، لَمْ يُنْقَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا، وَلَمْ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، وَعِنْدَنَا: فِي مِثْلِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا، وَلَكِنْ كَانَ فَوَّضَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَهَبَهُ لَهُ إنْ رَآهُ صَوَابًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُرْدُدْ أَيْ: أَمْسِكْ مَالَك، وَارْجِعْ إلَى رَحْلِك، وَقِيلَ: كَانَ هَذَا مِنْهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فِي الصِّحَّةِ، فَلَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خَصَّ عَائِشَةَ بِالْهِبَةِ لَهَا فِي صِحَّتِهِ - كَمَا رَوَيْنَا - وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فَرَجَعَ أَبِي فِي وَصِيَّتِهِ، وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ كَلَامٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَالِدِ أَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْعَطِيَّةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسَوَّى بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَاوُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ حَتَّى فِي الْقَبْلِ، وَلَوْ كُنْت مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْت الْإِنَاثَ».

وَالِاعْتِمَادُ: عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ. وَذُو الرَّحِمِ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا؛ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ وَحِرْمَة النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْمَحْرَمُ الَّذِي لَيْسَ بِرَحِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ؛ فَكَانَتْ الْهِبَةُ بَيْنَهُمَا لِمَقْصُودِ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يُنَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ يَزْدَدْ خَيْرًا

[الْمَوَانِعُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]

، وَالْمَوَانِعُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ: إمَّا أَخْذُ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ قَدْ تَمَّ، وَفِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ بَعْدَ نَيْلِ الْعِوَضِ، وَأَنْ يَزْدَادَ الْمَوْهُوبُ فِي نَدَمِهِ خَيْرًا، فَإِنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ فِيمَا تَتَنَاوَلُهُ الْهِبَةُ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْهِبَةُ، وَلَا يَتَأَتَّى الرُّجُوعُ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادَ فِي سِعْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ، فَأَمَّا الْعَيْنُ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ. وَمِنْهَا أَنْ يَخْرُجَ الْمَوْهُوبُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَاد فِي الْهِبَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ بِالرُّجُوعِ يَنْتَهِي ذَلِكَ الْمِلْكُ، فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي مِلْكٍ آخَرَ. وَمِنْهَا أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِعَقْدِ الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، فَلَا يَخْلِفُ مُوَرِّثهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. وَمِنْهَا أَنْ يَمُوتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْهُوبِ إلَى وَارِثِهِ، وَلَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي حَيَاتِهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ

قَالَ: فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا إمَّا الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ: بَطَلَتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>