للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ قِسْمَةِ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَبِحَ أَلْفًا فَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ لِنَفْسِهِ، وَبَقِيَ رَأْسُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى هَلَكَ، أَوْ عَمِلَ بِهَا فَوَضَعَ فِيهَا، أَوْ تَوَى بَعْدَ مَا عَمِلَ فِيهَا فَإِنَّ قِسْمَتَهَا بَاطِلَةٌ، وَالْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي أَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ تُحْتَسَبُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَيَغْرَمُ لَهُ الْمُضَارِبُ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَمَا هَلَكَ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَبَيَّنُ قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْلَمُ لَهُ نَوَافِلُهُ حَتَّى تَسْلَمَ لَهُ عَزَائِمُهُ، أَوْ قَالَ فَرَائِضُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَصْلٌ، وَالرِّبْحُ فَرْعٌ وَمَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ، فَإِذَا هَلَكَ مِنْ عَمَلِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُجْعَلُ مَا هَلَكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْمَالِ كَانَ مِقْدَارَ الْأَلْفِ وَصَلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَمَا أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ لِرَبِّ الْمَالِ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي أَخَذَهَا، حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ كَمَالِ رَأْسِ مَالِهِ، وَقِسْمَةُ الرِّبْحِ هُنَا قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ قِسْمَةِ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ.

وَلَوْ أَنَّ الْوَرَثَةَ عَزَلُوا مِنْ التَّرِكَةِ مِقْدَارَ الدَّيْنِ وَقَيَّمُوا مَا بَقِيَ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَعْزُولُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْغُرَمَاءِ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَخَذُوا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَكَمَا أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ، فَكَذَلِكَ هُنَا حَقُّ رَبِّ الْمَالِ سَابِقٌ عَلَى حَقِّهِمَا فِي الرِّبْحِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ أَيْضًا مَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَيَسْتَوِي هَلَاكُهُ فِي يَدِهِ وَبَقَاؤُهُ، وَمَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ بِأَخْذِهِ، فَبَقَاؤُهُ وَهَلَاكُهُ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ.

وَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ أَلْفَيْنِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا مِنْ الرِّبْحِ، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ وَلَمْ يَقْبِضْ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّ الْأَلْفَ الَّتِي قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ رَأْسُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ بِوُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى يَدِ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ إلَى يَدِ وَكِيلِهِ، فَأَمَّا مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَقِيَامِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَلَا يَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، فَيُجْعَلُ مَا هَلَكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبَضَهُ رَبُّ الْمَالِ هُوَ رَأْسُ مَالِهِ، وَأَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ مَا أَخَذَهُ الْمُضَارِبُ، وَقَدْ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ نِصْفَ تِلْكَ الْأَلْفِ لِرَبِّ الْمَالِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ لَمْ يَضَعْ الْمَالَ حَتَّى اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْأَلْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>