الْبَائِنَ حَتَّى يَكُونَ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي فَسَادِ أَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يُفَارِقَهَا فَيُجْعَلُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ كَإِنْشَاءِ التَّفْرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْغُرُورِ]
بَابُ الْغُرُورِ (قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذُكِرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُصَيْطٍ قَالَ بِعْتُ أَمَةً فَأَبَتْ بَعْضُ الْقَبَائِلِ فَانْتَمَتْ إلَى بَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ فَنَثَرَتْ لِهَذَا بَطْنَهَا، ثُمَّ جَاءَ مَوْلَاهَا فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى بِهَا لِمَوْلَاهَا، وَقَضَى عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ تَفْدِيَ الْأَوْلَادَ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ، وَالْجَارِيَةَ بِالْجَارِيَةِ وَفِي هَذَا دَلِيلُ أَنَّ، وَلَدَ الْمَغْرُورِ يَكُونُ حُرًّا بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْمَغْرُورِ فَأَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِظَاهِرِهِ فَقَالُوا مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ، وَعِنْدَنَا هُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الْغُلَامُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ، وَالْجَارِيَةُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَالْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا فِي الصُّورَةِ)، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى بِالْجَارِيَةِ لِمَوْلَاهَا، وَقَضَى لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَفُكَّ وَلَدَهُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ، وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ قَضَى بِأَوْلَادِهَا لِمَوْلَاهَا أَنْ يُسَلِّمَ الْأَوْلَادَ إلَيْهِ
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ جَعْلُ الْأَوْلَادِ فِي حَقِّهِمْ كَأَنَّهُمْ مَمْلُوكِينَ لَهُ حَيْثُ أَوْجَبَ لَهُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَغْرُورِ، وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ بِطَرِيقِ أَنَّ قَوَدَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَةِ الْأَوْلَادِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِمَا عَزَّ وَهَانَ بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا وَفِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ الْمَغْرُورِ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَفِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ كَأَنَّهُ رَقِيقٌ مَمْلُوكٌ لَهُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ لَهُ إلَّا هَذَا فَإِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِيُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ الْمَمْلُوكُ بِالْمَنْعِ فَيَصِيرُ الْمَغْرُورُ مَانِعًا لِلْوَلَدِ بِمَا ثَبَتَ فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ حَقًّا لَهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ وَالنَّظَرُ فِي جَانِبِ الْمَغْرُورِ فِي حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرِقِّ مَائِهِ، وَالنَّظَرُ فِي جَانِبِ الْمُسْتَحِقِّ فِي رِقِّ الْوَلَدِ لَكِنَّهُ لَا يَبْطُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute