للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُقِدَ بِحُضُورِهِ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ

[جَحَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ]

(قَالَ:) وَإِذَا جَحَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ جُحُودُهُ طَلَاقًا، وَلَا فُرْقَةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ إنْكَارُهُ تَصَرُّفًا فِيهِ بِالرَّفْعِ وَالْقَطْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالطَّلَاقِ يَنْتَقِصُ الْعَدَدُ، وَبِانْتِفَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ لَا يَنْتَقِصُ فَإِنْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالنِّكَاحِ جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ

(قَالَ:) وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أُمَّتَهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ، وَاشْتِرَاطُ الشُّهُودِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْبُضْعِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِهَذَا الْعَقْدِ؛ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْبُضْعِ حَقًّا لِلشَّرْعِ ثُمَّ يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ كَانَ لِلْمَوْلَى، وَلَا دَيْنَ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ فَإِنَّمَا امْتَنَعَ وُجُوبُهُ؛ لِوُجُودِ الْمُنَافِي لَهُ، وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْوُجُوبِ الِاسْتِيفَاءُ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الشُّهُودِ فَإِنَّ مِلْكَهُ رَقَبَتَهُمَا لَا يُنَافِي الْإِشْهَادَ عَلَى النِّكَاحِ وَيَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ مَقْصُودُ الْإِشْهَادِ

(قَالَ): وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّهُ مُتَارَكَةٌ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي مِلْكًا لَهُ عَلَى الْمَحَلِّ، إمَّا مِلْكُ الْعَيْنِ أَوْ مِلْكُ الْيَدِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِالدُّخُولِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْيَدِ بِاعْتِبَارِهِ، وَلِهَذَا لَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مُتَارَكَةً فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَكُونُ رَافِعًا لِلْعَقْدِ مُوجِبًا نُقْصَانَ الْعَدَدِ لَكِنْ امْتَنَعَ ثُبُوتُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ هُنَا فَبَقِيَ عَامِلًا فِي الْآخَرِ، وَهُوَ رَفْعُ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الشُّبْهَةِ دُونَ رَفْعِ الْعَقْدِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثَانِيَةً بِشُهُودٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيمَا سَبَقَ

(قَالَ:) وَإِذَا قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَقَالَتْ هِيَ: تَزَوَّجْتَنِي بِشُهُودٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالِاتِّفَاقِ مِنْهُمَا عَلَى شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَصْلِ يَكُونُ اتِّفَاقًا عَلَى الشَّرْطِ ثُمَّ الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا لِلشَّرْطِ فِي مَعْنَى الرَّاجِعِ فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَنْكَرَتْ الشُّهُودَ فَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِإِقْرَارِهِ بِالْحُرْمَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَى نَفْسِهِ فَجُعِلَ إقْرَارُهُ مَقْبُولًا فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ، وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ أَصْلَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَهُ فِي إنْكَارِهِ بِالْحُجَّةِ، وَالْمُكَذَّبُ فِي زَعْمِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَبْقَى لِزَعْمِهِ عِبْرَةٌ، وَهُنَا الْقَاضِي مَا كَذَّبَهُ فِي زَعْمِهِ بِالْحُجَّةِ وَلَكِنَّهُ رَجَّحَ قَوْلَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>