جَمِيعِ الْخَارِجِ لَهُ يَكُونُ إقْرَاضًا مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا أَنَّهُ بِانْفِرَادِهِ صَحِيحٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمُزَارَعَةِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَحْدَهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ زَرَعَهَا سِمْسِمًا فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؟؛ فَلِهَذَا جَازَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ عَلَى مَا قَالَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْحِنْطَةِ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ بَيْنَهُمَا فِي النِّصْفِ، وَفِي الشَّعِيرِ إعَارَةٌ لِلْأَرْضِ مِنْ الْعَامِلِ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَأَمَّا فِي السِّمْسِمِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي السِّمْسِمِ يَكُونُ دَافِعًا لِلْأَرْضِ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ، وَهِيَ مَطْعُونَةُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ جَازَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحِنْطَةِ الْعَقْدُ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَفِي السِّمْسِمِ اسْتِعَانَةٌ بِالْعَامِلِ، وَفِي الشَّعِيرِ إقْرَاضٌ لِلْبَذْرِ مِنْهُ، وَإِعَارَةٌ لِلْأَرْضِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَلِكَ إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ الْبَعْضَ مَشْرُوطًا فِي الْبَعْضِ إنَّمَا عَطَفَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْ هَذَا الْعَطْفِ مَعْنًى يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْعُذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضَهُ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَنَفَقَتِهِ بِالنِّصْفِ، فَلَمَّا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا الَّذِي قَبَضَهَا شَيْئًا، وَبَعْدَ مَا كَرَبَهَا، وَحَفَرَ أَنْهَارَهَا، وَسَوَّى مَسَاقِيَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُؤَاجِرٌ لِأَرْضِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْمُضِيِّ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ إلَى إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ، فَيُلْزَمَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا إلَّا بِعُذْرِ الدَّيْنِ، فَإِنْ حُبِسَ فِي الدَّيْنِ، وَلَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا عُذْرًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ وَبَيْعِ الْأَرْضِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي مَالِهِ يَدْفَعُ صِفَةَ اللُّزُومِ فَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ الْحَبْسُ فِي الدَّيْنِ أَوْلَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمْتَنِعُ صِحَّتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ جِذْعًا مِنْ سَقْفٍ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلَوْ أَجَّرَ مَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي تَسْلِيمِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَارَةُ، فَكَذَلِكَ تَنْعَدِمُ صِفَةُ اللُّزُومِ بِعُذْرِ الدَّيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ الْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهَا مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ عِنْدِهِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ مُجَرَّدُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَالْعَقْدِ، وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْخَارِجُ بِأَنْ لَمْ يَزْرَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute