وَكَّلَنِي فُلَانٌ بِأَخْذِهَا مِنْكَ، أَوْ أَبْتَاعَ مِنْكَ بَيْعًا بِهَا، فَاصْنَعْ فِيهَا مَا شِئْتَ فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَرَهَنَهُ ثَوْبًا بِخَمْسَةٍ وَقَبَضَهَا وَصَدَّقَهُ الْمَطْلُوبُ فِي ذَلِكَ فَهَلَكَ الثَّوْبَانِ عِنْدَهُ ضَمِنَ ثَمَنَ الثَّوْبِ الَّذِي اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ بِتَصَادُقِهِمَا، وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ مَطْلُوبٌ بِالثَّمَنِ ضَامِنٌ لَهُ وَلَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الطَّالِبِ حِينَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ وَلَمْ يَضْمَنْ الَّذِي ارْتَهَنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَدْلٌ فِيهِ بِزَعْمِهِمَا، وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَى الْغَرِيمِ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّهِ حِينَ جَحَدَ وَحَلَفَ، فَيَرْجِعُ بِمَالِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعَارِيَّةِ فِي الرَّهْنِ]
(بَابُ الْعَارِيَّةِ فِي الرَّهْنِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ، أَمَّا جَوَازُ الِاسْتِعَارَةِ لِلرَّهْنِ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ، وَالْمُعِيرُ يَرْضَى بِتَعَلُّقِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِمِلْكِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ مَالِيَّتِهِ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالدَّيْنِ يَلْتَزِمُ الْمُطَالَبَةَ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَذَلِكَ مِنْهُ تَبَرُّعٌ صَحِيحٌ، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَنْ يَكْفُلَ بِمَالٍ صَحَّ وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ، فَإِذَا مَلَكَ شَاغِلُ مَالِيَّةِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ فِي الْكَفَالَةِ - تَمَلَّكَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْضُ مَا ثَبَتَ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مِلْكٌ الْيَدِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا بِإِيفَاءِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ مِنْ مَالِهِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّعِ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ مِلْكُ الْيَدِ لَهُ بِالرَّهْنِ أَيْضًا، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَفْصِلَ مِلْكَ الْيَدِ عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ بَقَاءً لِلْبَائِعِ جَازَ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ ثُمَّ مَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ أَطْلَقَ فَالتَّقْيِيدُ شَيْءٌ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالْمُطْلَقِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ لِلِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا.
وَلَوْ سَمَّى لَهُ سَبَبًا فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ ضَمِنَهُ أَمَّا إذَا رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ فَلِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْمُعِيرِ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرْضَى بِأَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَحْبُوسًا بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَضَاؤُهُ دُونَ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ بِأَقَلَّ فَلِأَنَّ الْمُعِيرَ إنَّمَا رَضِيَ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا لِلْعِشْرِينَ لِيَرْجِعَ هُوَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِذَلِكَ فَإِذَا رَهَنَهُ بِأَقَلَّ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ إنَّمَا يَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْيِيدَ مَتَى كَانَ مُفِيدًا فَهُوَ مُعْتَبَرُ وَالتَّقْيِيدُ هُنَا مُفِيدُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ارْهَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute