للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ إذَا زَوَّجَ أُمَّتَهُ فَوَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ لَهُ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُؤَكِّدَ حَقَّهُ، وَلِأَنَّ النَّسْلَ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَبِكَوْنِهِ عِنِّينًا يَفُوتُ ذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِيَارُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَطْءِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهَا دُونَ الْمَوْلَى فَكَانَ حَقُّ الْمُرَافَعَةِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ نِكَاحِ الشِّغَارِ]

(قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أُزَوِّجُكَ أُخْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي أُخْتَكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ الْأُخْرَى، أَوْ قَالَا ذَلِكَ فِي ابْنَتَيْهِمَا أَوْ أَمَتَيْهِمَا، ثُمَّ النِّكَاحُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النِّكَاحُ بَاطِلٌ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ الْإِشْرَاكَ فِي بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِينَ جَعَلَ النِّصْفَ مِنْهُ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً، وَمِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ، فَالِاشْتِرَاكُ بِهِ يَكُونُ مُبْطِلًا كَمَا إذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَمَّى بِمُقَابَلَةِ بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُضْعِ صَلَاحِيَةَ كَوْنِهِ صَدَاقًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِشْرَاكُ فَبَقِيَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَهَبَهَا لِغَيْرِهِ أَوْ نَحْوِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ مَنْكُوحَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالنَّهْيِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْخُلُوِّ عَنْ الْمَهْرِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا»، وَهَذَا لِأَنَّ الشِّغَارَ هُوَ الْخُلُوُّ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ، وَبَلْدَةٌ شَاغِرَةٌ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ السُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ لَا تَخْلُوَ الْمَرْأَةُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ وَبِهِ نَقُولُ، وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ مَهْرًا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا سُمِّيَ مِنْ الْمَهْرِ، وَاشْتِرَاطُ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ.

(قَالَ:) وَإِذَا جَعَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>