لَا يَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ كَمَا فِي الْأَمَانِ فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الِاسْتِغْنَامِ وَالِاسْتِرْقَاقِ ثُمَّ صَحَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ جَمَاعَتِهِمْ؛ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُسْقِطِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ وَاحِدًا، وَقَدْ سَقَطَ فِي حَقِّ الْمُسْقِطِ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَكَانَ إذَا اسْتَوْفَاهُ يَصِيرُ حَقُّ الْغَيْرِ مُسْتَوْفًى أَيْضًا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ السُّقُوطِ لَا يَتَمَكَّنُ الْآخَرُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ مُتَجَزِّئٌ فِي نَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّا لَوْ نَفَيْنَا حَقَّ الْآخَرِ لَا يَصِيرُ حَقُّ الْمُسْقِطِ مُسْتَوْفًى، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ يَتَعَدَّدُ هُنَاكَ، وَكَذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ، وَفِي الْقِصَاصِ مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّجْزِيءُ لَا يَبْقَى بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمْ، وَإِنَّمَا يَبْقَى مَا يَحْتَمِلُ التَّجْزِيءُ، وَهُوَ الدِّيَةُ وَبِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَلَكِنَّ الْمُصَدِّقَ يُنْكِرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَإِنْكَارُ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ فَوِزَانُهُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ أَنْ لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ الزَّوْجَ كُفُؤٌ، وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّفْرِيقَ وَأَمَّا إذَا رَضِيَتْ هِيَ فَلِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لَهَا غَيْرُ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا صِيَانَةُ نَفْسِهَا عَنْ ذُلِّ الِاسْتِفْرَاشِ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ صِيَانَةُ نَسَبِهِمْ عَنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ بِالْمُصَاهَرَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُهُمْ، وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَلَمْ يَكُنْ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا مُوجِبًا سُقُوطَ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يَثْبُتُ؛ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَتَى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَسُكُوتُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ لَيْسَ بِرِضًا مِنْهُ بِالنِّكَاحِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ حَتَّى تَلِدَ، وَلَهُ الْخُصُومَةُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ ثَابِتٌ لَهُ، وَالسُّكُوتُ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْحَقِّ الثَّابِتِ بِصِفَةِ التَّأَكُّدِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْخُصُومَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَقَدْ لَا يَرْغَبُ الْإِنْسَانُ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُبْطِلًا حَقَّهُ
[زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ ثُمَّ فَارَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ]
(قَالَ): وَإِذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ ثُمَّ فَارَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَرِضَاهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَقْدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ رِضَاهُ بِرَجُلٍ لَا يُكَافِئُهَا لَا يَكُونُ رِضًا بِرَجُلٍ آخَرَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ
[تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ كُفْءٍ ثُمَّ جَاءَ الْوَلِيُّ فَقَبَضَ مَهْرَهَا وَجَهَّزَهَا]
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ كُفْءٍ ثُمَّ جَاءَ الْوَلِيُّ فَقَبَضَ مَهْرَهَا وَجَهَّزَهَا فَهَذَا مِنْهُ رِضًا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَهْرِ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الرِّضَا بِالْعَقْدِ ضَرُورَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute