للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ.

(قَالَ): وَإِذَا رَجَعَ الْمُلَاعِنَانِ إلَى حَالٍ لَا يَتَلَاعَنَانِ فِيهِ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَحَاصِلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا وَالْحُرْمَةَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ تَكْرَارِ اللِّعَانِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى حِينَ صَارَ إلَى حَالٍ لَا يَتَلَاعَنَانِ فِيهِ أَبَدًا

(قَالَ): وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الذِّمِّيِّ فَقَذَفَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحْصَنَةً حِينَ قَذَفَهَا فَكَانَ اللِّعَانُ مُمْتَنِعًا بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ، ثُمَّ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْدَمَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ.

(قَالَ): وَلَوْ قَذَفَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ الذِّمِّيَّةَ، أَوْ الْأَمَةَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، أَوْ أُعْتِقَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ جَرَيَانِ اللِّعَانِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الْقَذْفِ فَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ، وَإِنْ ارْتَفَعَ الْمَعْنَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمَةُ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ، فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا بَعْدَ مَا عَتَقَتْ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَطَلَ اللِّعَانُ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اخْتَارَتْ حَتَّى يُلَاعِنَهَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مُحَالٌ بِهَا عَلَى جَانِبِ الزَّوْجِ هُنَا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: اللِّعَانُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي اللِّعَانِ]

(قَالَ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا شَهِدَ الزَّوْجُ، وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَأُمْضِيَ عَلَيْهَا الْحَدُّ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا لَهَا مُسْتَوْجِبًا لِلِّعَانِ، وَلَا شَهَادَةَ لِلْخَصْمِ، وَلِأَنَّهُ شَاهِدٌ طُعِنَ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَغِيظُهُ زِنَاهَا فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْجِنَايَةَ فِي أَمَانَتِهِ فَالْفِرَاشُ أَمَانَةُ الزَّوْجِ عِنْدَهَا، وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُدَّعِي، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا بِحَقِّ آخَرَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ بِالزِّنَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ هُنَا أَظْهَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّوْجَ يَسْتُرُ الزِّنَا عَلَى امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشِينُهُ وَمَعْنَى الْغَيْظِ الَّذِي قَالَ يَبْطُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>