وَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْأَنْسَابِ آبَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ، وَهَذَا، وَمَا لَوْ مَاتَتْ لَا عَنْ وَلَدٍ سَوَاءٌ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْوَلَدُ يَتَعَيَّرُ بِانْتِفَاءِ نَسَبِ أُمِّهِ كَمَا يَتَعَيَّرُ بِانْتِفَاءِ نَسَبِ أَبِيهِ فَكَانَ هَذَا الْوَلَدُ مُحْتَاجًا إلَى إثْبَاتِ نَسَبِ أُمِّهِ لِيَصِيرَ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ، فَيَكُونُ بَقَاؤُهُ كَبَقَائِهَا كَمَا لَوْ كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ ذَكَرًا، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فَالْمِيرَاثُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ حُكْمًا.
(قَالَ): وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وِلَادَتَهَا وَذَلِكَ لَا يَتَضَمَّنُ نِسْبَتَهَا إلَى الزِّنَا، وَلَوْ شَهِدْت امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ ثَبَتَ نِسْبَةٌ مِنْهَا لِقِيَامِ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَهَا، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ هَذَا مِنِّي، وَلَا مِنْك لَمْ يَكُنْ بِهَذَا قَاذِفًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وِلَادَتَهَا هَذَا الْوَلَدِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِذَلِكَ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً، وَلِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِالرِّدَّةِ، وَلَوْ بَانَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَلَا لِعَانٌ فَإِذَا بَانَتْ بِالرِّدَّةِ أَوْلَى
(قَالَ): وَإِذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ وَلَدٍ ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ مُحْصَنَةً بَعْدَ اللِّعَانِ وَالتَّفْرِيقِ فَإِنَّ اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُحْصَنَةً فَلَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً.
(قَالَ): وَإِنْ لَاعَنَهَا بِوَلَدٍ ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهَا فِي صُورَةِ الزَّانِيَاتِ فَإِنَّ فِي حِجْرِهَا وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ وَالِدٌ، فَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْوَلَدَ فَجُلِدَ الْحَدَّ، وَأُلْزِمَ الْوَلَدُ ثُمَّ قَذَفَهَا قَاذِفٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي صُورَةِ الزَّانِيَاتِ حِينَ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ كَانَ قَذَفَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِ السَّبَبِ فِي الْحُدُودِ مُعْتَبَرُ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَ الْقَذْفِ فِي صُورَةِ الزَّانِيَاتِ.
(قَالَ): وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ بِالدَّعْوَى، وَضُرِبَ مَنْ قَذَفَ الْمَرْأَةَ بَعْدَهُ الْحَدَّ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ، وَهُوَ يُنْكِرُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَضُرِبَ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ، وَمَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ضُرِبَ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي صُورَةِ الزَّانِيَاتِ.
(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَرَافَعَتْهُ فَأَقَامَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute