الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ عَنْ النَّفْيِ دَلِيلُ الْقَبُولِ، وَكَذَلِكَ يُهَنَّى بِالْوَلَدِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ فَقَبُولُهُ بِالتَّهْنِئَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ يَشْتَرِي مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِصْلَاحِ الْوَلَدِ عَادَةً وَبَعْدَ وُجُودِ دَلِيلِ الْقَبُولِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ نَفْيُهُ إلَّا عَلَى فَوْرِ الْوِلَادَةِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَرْوِيَ النَّظَرَ لِئَلَّا يَكُونَ مُجَازِفًا فِي النَّفْيِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ»، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْوِيَ النَّظَرَ إلَّا بِمُدَّةٍ فَجَعَلْنَا لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَسْتَعِدُّ لِلْعَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْعَقِيقَةُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ نَصْبَ الْمِقْدَارَ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ.
(قَالَ): وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا حِينَ وَلَدَتْهُ فَحَضَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ يُجْعَلُ مِنْ حَقِّهِ فِي حُكْمِ النَّفْيِ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ الْآنَ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنْ حَضَرَ قَبْلَ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ إلَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ وَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ الْفِصَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ الَّذِي خَلَفَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ الْفِصَالِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ مَا صَارَ شَيْخًا، وَهَذَا قَبِيحٌ.
هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّهْنِئَةَ فَأَمَّا إذَا هُنِّئَ فَسَكَتَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِهِ التَّهْنِئَةِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِنَسَبِهِ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا هُنِّئَ بِوَلَدِ الْأَمَةِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الدَّعْوَةِ، وَالسُّكُوتُ لَيْسَ بِدَعْوَةٍ فَأَمَّا نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ ثَابِتٌ مِنْهُ فَسُكُوتُهُ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي النَّفْيِ.
(قَالَ): وَإِذَا لَاعَنَ بِوَلَدٍ وَلَزِمَ أُمَّهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى النَّسَبِ، وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ فَكَانَ هَذَا مِنْهُ دَعْوَى الْمِيرَاثِ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ لَكِنْ يُضْرَبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ قَاذِفًا لَهَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ابْنًا لَهُ فَمَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَوَرِثَ الْأَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْبَاقِي مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بِنْتًا فَمَاتَتْ عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ، فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ هُنَا؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ الْقَائِمِ مِنْ جَانِبِ أَبِيهِ لَا مِنْ جَانِبِ أُمِّهِ قَالَ الْقَائِلُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute