للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكَ، فِي الْقِيَاسِ يُلَاعِنُهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالزِّنَا مِنْهَا فَإِنَّ فِعْلَ الْمَرْأَةِ بِزَوْجِهَا لَا يَكُونُ زِنًا وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَدٌّ، وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّهَا بِأَوَّلِ كَلَامِهَا صَارَتْ مُصَدِّقَةً لَهُ حِينَ قَالَتْ زَنَيْت؛ وَلِأَنَّ كَلَامَهَا مُحْتَمِلٌ: لَعَلَّهَا أَرَادَتْ زَنَيْت بِك قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ اللِّعَانُ، وَلِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي لَا تَكُونُ هِيَ قَاذِفَةً لَهُ فَلَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ يَا زَانِيَةً فَقَالَتْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا مِنِّي، وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَ الْأَجْنَبِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ أَنْتِ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ أَوْ أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْتِ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا أَوْ أَكْثَرُ شَبَقًا فَلَا يَتَحَقَّقُ نِسْبَتُهَا إلَى الزِّنَا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِذَا قَذَفَهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَصَدَّقَتْهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ فِيمَا نَسَبَهَا إلَيْهِ مِنْ الزِّنَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً، وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَذَفَ امْرَأَةَ رَجُلٍ فَقَالَ الرَّجُلُ: صَدَقْت هِيَ كَمَا قُلْت كَانَ قَاذِفًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ التَّصْدِيقِ أَوَّلُ الْكَلَامِ، وَمَعْنَاهُ هِيَ زَانِيَةٌ كَمَا قُلْت بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُطْلَقًا صَدَقْت، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةً بِنْتَ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَلِأُمِّهَا، وَقَذْفُهُ أُمَّهَا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ، وَقَذْفُهُ إيَّاهَا مُوجِبٌ لِلِّعَانِ فَإِذَا رَفَعَتْهُ هِيَ وَأُمُّهَا بُدِئَ بِالْحَدِّ لِمَا فِي الْبِدَايَةِ بِهِ مِنْ إسْقَاطِ اللِّعَانِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَيِّتَةً فَلِلْبِنْتِ أَنْ تُخَاصِمَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهَا بِزِنَا أُمِّهَا فَإِذَا خَاصَمَتْ فِي ذَلِكَ حُدَّ لَهَا، وَدُرِئَ اللِّعَانُ، وَإِنْ قَالَ زَنَيْت مُسْتَكْرَهَةً أَوْ زَنَى بِك صَبِيٌّ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَكْرَهَةَ لَا تَكُونُ زَانِيَةً شَرْعًا فَإِنَّ الْفِعْلَ يَنْعَدِمُ مِنْهَا، وَهُوَ التَّمْكِينُ فِي الْإِكْرَاهِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ زِنًا شَرْعًا وَهِيَ بِالتَّمْكِينِ مِنْ غَيْرِ الزِّنَا لَا تَكُونُ زَانِيَةً، فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا لَهَا وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا سَقَطَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً، وَالْعَارِضُ فِي الْحُدُودِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ.

(قَالَ): وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا ثُمَّ نَفَى الْوَلَدَ بَعْدَ سَنَةٍ لَاعَنَهَا وَلَمْ يَنْتِفْ الْوَلَدُ إنَّمَا اسْتَحْسَنَ إذَا نَفَاهُ حِينَ يُولَدُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَنْ يَنْتَفِيَ بِاللِّعَانِ فَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يَكُنْ وَقَّتَ فِيهِ وَقْتًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: الْوَقْتُ فِيهِ أَيَّامُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا: وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ كَحَالَةِ الْوِلَادَةِ. بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَصُومُ فِيهِ، وَلَا تُصَلِّي وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِنْهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>