شَيْخًا لَا يَتَعَيَّنُ الشَّيْخُ بِالتَّمْلِيكِ مِنْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ: طُولُ الْحَيَاةِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ. مَعْنَاهُ: لِلَّذِي يَبْقَى مِنْكُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ، فَهُوَ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ، وَهُوَ مَعْنَى الرُّقْبَى، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَأْمُرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُرَاقِبَ مَوْتَ صَاحِبِهِ؛ لِتَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْهِبَةِ]
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْهِبَةِ وَمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ: جَازَتْ الْهِبَةُ)؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْهِبَةُ مَعَ الْقَبْضِ سَبَبُ مِلْكٍ تَامٍّ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ، وَهُوَ يَجْحَدُهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: الشَّهَادَةُ جَائِرَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَالصَّدَقَةُ وَالرَّهْنُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا. وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: إنَّ تَمَامَ هَذِهِ الْعُقُودِ بِقَبْضٍ يُوجَدُ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا قَوْلٌ، وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالْمُخْبِرُ بِهِ إذَا كَانَ كَذِبًا، فَبِالْإِخْبَارِ لَا يَصِيرُ صِدْقًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مِنْ الْقَبْضِ، فَبِإِقْرَارِهِ لَا يَصِيرُ مَوْجُودًا، فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِمَا هُوَ سَبَب مِلْكٍ تَامٍّ. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ: أَنَّ الْقَبْضَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْقَتْلِ وَالْغَصْبِ، ثُمَّ فِعْلُ الْقَتْلِ وَالْغَصْبِ كَمَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مُعَايَنَتِهِ، يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْبَيِّنَةِ كَالْمَسْمُوعِ مِنْ الْمُقِرِّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ: قُضِيَ بِالْمِلْكِ لَهُ. فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالْبَيِّنَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِالْهِبَةِ، وَالْقَبْضِ: جَازَتْ الشَّهَادَةُ، كَمَا لَوْ سَمِعَ الْقَاضِي إقْرَارَهُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ فَأَقْرٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ)؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ لَا يُنَافِي مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْهِبَةِ، وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ وَالْمُقِرّ يُعَامَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ. وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ - عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ - بَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ بِنَفْسِهِ، وَبَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَالشَّهَادَةُ لَا تُوجِبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِسَبَبِ مِلْكٍ تَامٍّ.
قَالَ: (وَإِذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَدِيعَةً، ثُمَّ وَهَبَهَا لَهُ، ثُمَّ جَحَدَهُ فَشَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا بِالْقَبْضِ: فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَبْضُهُ مَعْلُومٌ بِالْمُعَايَنَةِ؛ فَيَتِمُّ بِهِ سَبَبُ الْمِلْكِ. قَالَ: (فَإِنْ جَحَدَ الْوَاهِبُ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِهِ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْهِبَةِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ، وَلَا عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ، وَالْهِبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَوْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute