للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَوُّرِ الْفِعْلِ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ لَا تَشْعُرُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْفِعْلِ زِنًى فَهِيَ لَا تَصِيرُ زَانِيَةً؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّبَعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ زِنًى لُغَةً، وَلَكِنْ لَيْسَ بِزِنًا شَرْعًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا شَرْعًا فِعْلٌ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ لِخِطَابِ الشَّرْعِ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِثْمِ وَالْحَرَجِ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ وَإِذَا انْعَدَمَ الزِّنَا شَرْعًا فِي جَانِبِهِ فَكَذَلِكَ فِي جَانِبِهَا وَالْحَدُّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَسْتَدْعِي ثُبُوتَ سَبَبِهِ شَرْعًا وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى زَانِيَةً عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا مَزْنِيٌّ بِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: ٢١] أَيْ مَرْضِيَّةٍ وَقَالَ تَعَالَى {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: ٦] أَيْ مَدْفُوقٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا لِنِسْبَتِهَا إلَى مَا تَتَعَيَّرُ وَتَسْتَوْجِبُ بِهِ الْحَدَّ وَتَقْضِي بِهِ شَهْوَتَهَا وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ فَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِأَصْلِ الْفِعْلِ وَفِعْلُهُ زِنًى لُغَةً وَشَرْعًا فَلِهَذَا لَزِمَهُ الْحَدُّ بِحَقِيقَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلٌّ وَالْمَحَلِّيَّةُ مُشْتَهَاةٌ وَذَلِكَ بِاللِّينِ وَالْحَرَارَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ نُقْصَانٌ فِيهِ بِجُنُونِهَا وَصِغَرِهَا فَقَدْ تَمَّ فِعْلُهُ زِنًى لِمُصَادَفَةِ مَحَلِّهِ، فَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ لَا نَفْسُ الْآلَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْآلَةِ لَا يَكُونُ زِنًى شَرْعًا إلَّا إذَا كَانَ وَاجِبَ الْكَفِّ عِنْدَ الْخِطَابِ وَذَا بِصِفَةِ الْإِثْمِ وَالْحَرَجِ وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالصِّبَا وَالْجُنُونِ وَهَذَا فِقْهٌ دَقِيقٌ وَفَرْقٌ حَسَنٌ وَفِي الْكِتَابِ عِلَلٌ فَقَالَ: ذَكَرُ الصَّبِيِّ كَأُصْبُعِهِ، مَعْنَاهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالزِّنَا مَعْدُومٌ فِي آلَةِ الصَّبِيِّ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ بِهَذِهِ الْآلَةِ زِنًى وَالْمَعْتُوهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا الْمُحْصَنَةُ إذَا زَنَى بِهَا غَيْرُ الْمُحْصَنِ فَعَلَيْهَا الرَّجْمُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْمُحْصَنِ زِنًى فَتَصِيرُ هِيَ زَانِيَةً بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ حَالُهَا فِيمَا يُقَامُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ وَكُلُّ رَجُلٍ يَزْنِي بِامْرَأَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ مِثْلُ الْخَرْسَاءِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ هُنَا وَالْخَرْسَاءُ لَوْ كَانَتْ تَنْطِقُ رُبَّمَا تَدَّعِي شُبْهَةَ نِكَاحٍ وَقَدْ لَا تَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ مَا فِي نَفْسِهَا بِالْإِشَارَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ سَقَطَ عَنْهَا الْحَدُّ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ خَرْسَاءَ وَالْأَصْل فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَإِنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ، فَإِذَا وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَادْرَءُوا عَنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْهَا لَيْسَ لِلشُّبْهَةِ بَلْ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ

[زَنَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ]

(قَالَ) وَإِذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يُحَدَّانِ جَمِيعًا، أَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَفِي قَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>