لَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى مَالِ الْأَصِيلِ لِيُوَفِّيَ مَا الْتَزَمَ مِنْهُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَبْطَلْنَا فِيهِ الْكَفَالَةَ مِنْ هَذَا فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ الْكَفَالَةُ شَرْطًا فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ فَفَسَادُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسَادُ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ شَرْطًا فِي الْإِجَارَةِ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ فِي أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ عَجَّلَ لَهُ الْأَجْرَ وَكَفَلَ لَهُ الْكَفِيلُ فَالْأَجْرُ إنْ لَمْ يُوَفِّهِ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةُ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ مُضَافٍ إلَى سَبَبِ وُجُوبِهِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ لَهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالْخِيَاطَةِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَضْمُونٍ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الْخَيَّاطِ الْعَمَلُ فِي ذِمَّتِهِ إنْ شَاءَ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ بِنَائِبِهِ فَتَمَكَّنَ الْكَفِيلُ مِنْ إيفَاءِ هَذَا الْعَمَلِ أَيْضًا فَلِهَذَا كَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ خَاطَهُ الْكَفِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِأَجْرِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى عَنْهُ مَا الْتَزَمَ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَبِمِثْلِ الْخِيَاطَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ اشْتَرَطَ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَهُ بِيَدِهِ فَهَذَا شَرْطٌ مُفِيدٌ مُعْتَبَرٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي عَمَلِ الْخَيَّاطِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدِهِ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ عَاجِزٌ عَنْ إيفَائِهِ بِنَفْسِهِ وَبِالْكَفَالَةِ لَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى يَدِ الْأَصِيلِ لِيُوَفِّيَ مَا الْتَزَمَهُ بِيَدِهِ؛ فَلِهَذَا يَطْلُبُ الْكَفَالَةَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ إجَارَةِ الظِّئْرِ]
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِئْجَارُ لِلظَّئُورَةِ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَالْمُرَادُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦] يَعْنِي بِأَجْرٍ وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهُ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ اُسْتُؤْجِرَ لِإِرْضَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلِيمَةُ وَبِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ لَا يَتَرَبَّوْنَ إلَّا بِلَبَنِ الْآدَمِيَّةِ وَالْأُمُّ قَدْ تَعْجِزُ عَنْ الْإِرْضَاعِ لِمَرَضٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ تَأْبَى الْإِرْضَاعَ فَلَا طَرِيقَ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ سِوَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ جُوِّزَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِخِدْمَةِ الصَّبِيِّ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَأَمَّا اللَّبَنُ فَتَبَعٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ وَالْعَيْنُ لَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ كَلَبَنِ الْأَنْعَامِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ تَبَعٌ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ مَنْفَعَةُ الثَّدْيِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute